موقف غريب ومريب!
كان من بعض تلك الإجراءات التعسفية منع تدوين الحديث ، وأوّل من منع منه أبو بكر نفسه ، وكان قد جمع خمسمائة حديث فبات قلقاً ـ فيما تصفه بنته عائشة ـ فأصبح فأحرقها ، وإليك خبرها في ذلك :
أخرج الذهبي في ( تذكرة الحفاظ ) فقال : ( وقد نقل الحاكم فقال : حدثني بكر بن محمّد الصدفي بمرو ... قالت عائشة : جمع أبي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكانت خمسمائة حديث ، فبات ليلته يتقلب كثيراً ، قالت : فغمنّي ، فقلت : أتتقلب لشكوى أو لشيء بلغك؟ فلمّا أصبح قال : أي بنية هلمي الأحاديث التي عندك فجئته بها فدعا بنار فحرقها ، فقلت : لم أحرقتها؟ قال : خشيت أن أموت وهي عندي فيكون فيها أحاديث عن رجل قد أئتمنته ووثقت ولم يكن كما حدثني ، فأكون قد نقلت ذاك. قال الذهبي : فهذا لا يصح ، والله أعلم ) (١).
وروى الذهبي أيضاً : ( عن ابن أبي مليكة قال : ومن مراسيل ابن أبي مليكة أنّ الصديق جمع الناس بعد وفاة نبيّهم فقال : إنّكم تحدثون عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحاديث تختلفون فيها ، والناس بعدكم أشد إختلافاً ، فلا تحدثوا عن رسول الله شيئاً ، فمن سألكم فقولوا بيننا وبينكم كتاب الله فاستحلوا حلاله وحرّموا حرامه ) (٢).
____________________
(١) تذكرة الحفاظ ١ / ٥.
(٢) نفس المصدر ١ / ٢.