خالط حشاشة القلوب ، وسألتك : هل يزيدون أم ينقصون؟ فزعمت أنّهم يزيدون ، وكذلك الإيمان حتّى يتم ، وسألتك : هل قاتلتموه؟ فزعمت أنّكم قاتلتموه فيكون الحرب بينكم وبينه سجالاً ينال منكم وتنالون منه ، وكذلك الرسل تبتلى ثمّ تكون لها العاقبة ، وسألتك : هل يغدر؟ فزعمت أنّه لا يغدر وكذلك الرسل لا تغدر ، وسألتك : هل قال هذا القول أحد قبله؟ فزعمت أن لا ، فقلت : لو كان قال هذا القول أحد قبله؟ قلت : رجل أئتم بقول قيل قبله ، ثمّ قال : فما يأمركم؟ قلت : يأمرنا بالصلاة والزكاة والصلة والعفاف ، قال : فإن يك ما تقول فيه حقاً أنّه نبيّ ، وقد كنت أعلم أنّه خارج ، ولم أكن أظنه منكم ، ولو كنت أعلم أنّي أخلص لأحببت لقاءه ، ولو كنت عنده لغسلت عن قدميه ، وليبلغن ملكه ما تحت قدمي ، ثمّ دعا بكتاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقرأه فإذا فيه :
بسم الله الرحمن الرحيم من محمّد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى هرقل عظيم الروم سلام على من اتّبع الهدى ، أمّا بعد فإنّي أدعوك بدعاية الإسلام أسلم تسلم وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين ، وإن تركت فإنّ عليك إثم الأريسيين و ( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ ) إلى قوله ( بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ) (١) فلمّا فرغ من قراءة الكتاب ارتفعت الأصوات عنده وكثر اللغط ، وأمر بنا فأخرجنا ، فقلت لأصحابي حين خرجنا : لقد أمر أمر ابن أبي كبشة أنّه ليخافه ملك بني الأصفر ، فما زلت موقنا بأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
____________________
(١) آل عمران / ٦٤.