فهو إذ يأبى ويمنع من الكتابة ويبيّن ضلالة صاحبها ، وإذا به يأمر بها ويدعو لها ويبيّن فضلها ، إنّها ظاهرة تقضى بالعجب! كيف يتم التعليل لإختلاف المواقف ، وتضادّ الأخبار؟
وقبل اليوم نجد الخطيب البغدادي « ت٤٦٣ هـ » في كتابه « تقييد العلم » قد وافانا بجملة ما ورد عن ابن عباس نفياً وإثباتاً ، فلنقرأ ذلك ، فقد كفانا مؤنة الطلب وفيما ذكره مبلغ الأرب ، فعنه نذكر ما يلي :
قال في كتابه المذكور في القسم الأوّل في الآثار والأخبار الواردة عن كراهة كتابة العلم في الفصل الثاني منه : « في ذكر الرواية عن عبد الله ابن عباس في ذلك ...
ثم ساق خمس روايات بأسانيده ، فنحن نذكر متونها ، وهي كما يلي :
١ ـ عن طاووس ، قال : سأل ابن عباس رجل من أهل نجران ، فأعجب ابن عباس حسن مسألته ، فقال الرجل « أكتبه لي » ، فقال ابن عباس : « إنّا لا نكتب العلم ».
٢ ـ عن طاووس ، قال : إن كان الرجل يكتب إلى ابن عباس يسأله عن الأمر فيقول للرجل الذي جاء : « أخبر صاحبك إنّ الأمر كذا وكذا ، فإنّا لا نكتب في الصحف إلاّ الرسائل والقرآن ».
٣ ـ عن طاووس ، قال : كنّا عند ابن عباس ، قال ، وكان سعيد بن جبير يكتب ، قال : فقيل لابن عباس : « إنّهم يكتبون » ، قال : « أيكتبون؟ » ، ثم قام ، قال : وكان حسن الخلق ، قال : « ولولا حسن خُلقه لغيّر بأشدّ من القيام ».