فالحق أنّه لا ملاك في تأويل أخطاء الصحابة إلاّ ولاء المؤرخين وبعض العلماء إلى الوضع السياسي الغالب ـ لا سيّما أيام معاوية بن أبي سفيان ـ وإظهاره بأفضل صور العدالة.
لو سايرنا الرأي الذي يبرّر لبعض الصحابة ما ارتكبوه من أعمال وممارسات ، سفكت فيها الدماء وتشتت فيها إلفة المسلمين وتخلخلت جبهتهم الداخلية ، تحت ذريعة التأويل والاجتهاد ، فإننا نقطع بأنّ بعض الصحابة كمعاوية وعمرو بن العاص غير متأولين وغير مجتهدين في بغيهم على الإمام عليّ عليهالسلام وسفكهم الدماء ، وإنّما بغوا عليه متعمِّدين ، وليس مطالبتهم بدم عثمان إلاّ ذريعة واهية ، وفيما يلي نستعرض الظروف والوقائع التي تؤكد تعمدهم في البغي بلا تأويل ولا اجتهاد.
أولاً : عدم نصرة عثمان في حياته :
إنَّ المطالبين بدم عثمان لم ينصروه في حياته وهم قادرون على ذلك ، فقد أوصى معاوية قائد جيشه أن يرابط قرب المدينة في زمن حصار عثمان ، وقال له : ( إذا أتيت ذا خشب فأقم بها ولا تتجاوزها ، ولا تقل الشاهد يرى ما لا يرى الغائب ). فأقام قائده بذي خشب حتى قُتل عثمان ، وحينما سئل جويرية عن ذلك قال : ( صنعه عمداً ليُقتل عثمان فيدعو إلى نفسه ) (١).
__________________
(١) تاريخ المدينة المنورة ٤ : ١٢٨٩.