يا عبدالله فأمرتني بما هو لي في آخرتي وأسلم لي في ديني ، وأما أنت يا محمّد فأمرتني بما هو خير لي في دنياي ، وشرٌّ لي في آخرتي ) (١).
وأشار عليه غلامه وردان بالقول : ( اعتركت الدنيا والآخرة على قلبك ، فقلت مع علي الآخرة بلا دنيا ، ومع معاوية الدنيا بغير آخرة ... أرى أن تقيم في منزلك ، فإن ظهر أهل الدين عشت في عفو دينهم ، وإن ظهر أهل الدنيا لم يستغنوا عنك ) ، فقال ابن العاص : ( الآن حين شهرتني العرب بمسيري إلى معاوية ؟ ) (٢).
لم يترك الرجلان إذن مجالاً لتأويل أفعالهما ، بعد أن أفصحا عمّا في الضمائر والنوايا ، فهل تكلّف التأويل بعد كل هذه الاعترافات إلاّ تمحّل وعصبية ؟!
يرى أصحاب هذا الرأي أنّ حال الصحابة كحال غيرهم من حيث العدالة ، ففيهم العادل والفاسق ، فليس كل من صحب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كان عادلاً ، وليس للصحبة دور في عدالة الصحابي ما لم يجسّد سيرة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في سلوكه ومواقفه ، فالملاك هو السيرة العملية ، فمن تطابقت سيرته مع المنهج الإسلامي فهو عادل ، ومن خالف المنهج الإسلامي فهو غير عادل.
وهذا هو الرأي المعتدل المطابق للواقع الموضوعي الذي أشار إليه
__________________
(١) الكامل في التاريخ ٣ : ٢٧٥. وبنحوه في الإمامة والسياسة ١ : ٩٦.
(٢) الإمامة والسياسة ١ : ٩٦.