النفس وميولها واتجاهاتها المادية. وقطعوا أواصر القربى مع المشركين ، فخرجوا إلى بدر يقاتلون آباءهم وأبناءهم ولا يزيدهم ذلك إلاّ ثباتاً على الإيمان والجهاد ، حتى أمدّهم الله تعالى بملائكة مسوّمين (١).
وهكذا استمر الصحابة في الجهاد وأرخصوا دماءهم في سبيل الدعوة والانقياد لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، لا يكلّون ولا يملّون ، وكانوا في عمل دؤوب وجهاد مستمر لا يجدون طعم الراحة والهناء إلاّ بإنجاز التكاليف الإلهية ، فشاركوا في غزوة أُحد ، فكانت هذه الواقعة إحدى المواقع الحساسة التي عرف فيها المؤمنون الحقيقيون من غيرهم.
وكذلك غزوة الخندق حيث قعد الذين لاذوا بالفرار في أُحد ، عن المواجهة مع قائد جيوش المشركين.
ولقد تكرّر منهم المخالفة لأوامر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حتى أخذ منهم البيعة تحت الشجرة على الموت وعدم الفرار (٢).
وهكذا بدأت المفارقات تظهر شيئاً فشيئاً ، وحقائق الاَشخاص تنكشف يوماً فيوماً :
لم يكن الصحابة على مستوىً واحد من الإيمان والاخلاص والاستقامة ، وإنّما هم متفاوتون في كلِّ ذلك ، والصحبة وإن كانت شرفاً لهم جميعاً إلاّ أنها لا تعني التزكية والتطهير مالم يكن الصحابي مؤهلاً لها
__________________
(١) السيرة النبوية ، لابن هشام ٢ : ٢٨٥.
(٢) السيرة النبوية لابن كثير ٣ : ٣٢٨.