كان ابن عباس رضي الله عنه فقيهاً ومن أكابر الفقهاء الصحابة ، وعاصر معايشاً جماعة الخلفاء الثلاثة ، ولكثرة النوازل بهم كانوا لا يعلمون دائماً الجواب في أحكامهم ، فيستنقذهم بعض الصحابة وفي مقدمتهم الإمام أمير المؤمنين عليه السلام إن كان حاضراً أو ابن عباس رضي الله عنه وهو أكثر حضوراً عندهم كما مرّت أسباب ذلك في الحلقة الأولى في الجزئين الثاني والثالث ، وقد مرّت شواهد كثيرة على تسديد الإمام عليه السلام وابن عباس لأبي بكر وعمر وعثمان فيما كانوا يقولون فيه بآرائهم ، وربما كان ذلك مخالفاً للكتاب والسنة ، فكانت معاناة الإمام عليه السلام وابن عباس في هذا السبيل كبيرة ، وكان ابن عباس قد تلقى علمه من الإمام عليه السلام الذي هو باب مدينة علم النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، وهو صلى الله عليه وآله وسلم عن الوحي : ( وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى )(١) ، كما مرّ عنه ذلك مراراً ، فكان يجيب ويفتي بما تلقاه من الإمام عليه السلام كما مَر في ( طابعه الفقهي ) في الجزء الثالث من هذه الحلقة.
والآن إلى شاهد واحد على ذلك في محاروة جرت له مع عثمان أخرجها الطبري في تفسيره ، والحاكم في ( المستدرك ) ، وغيرهم .. والخبر بلفظ الحاكم ، بسنده : ( عن شعبة مولى ابن عباس ، عن ابن عباس : أنّه دخل على عثمان بن عفان رضي الله عنه قال : إنّ الأخوين لا يردّان الأم عن الثلث (؟) قال الله عزوجل : ( فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ )(٢) ، فالإخوان بلسان قومك
____________________
(١) النجم / ٣ ـ ٤.
(٢) النساء / ١١.