( حضر عبد الله بن جعفر مجلس معاوية ، فقال عمرو بن العاص : قد جاءكم رجل كثير الخلوات بالتمني ، والطربات بالتغني ، محبّ للقيان ، كثير مزاحه ، شديد طماحه ، صدود عن السنان ، ظاهر الطيش ، رخيّ العيش ، أخّاذ بالسلف ، منفاق بالسرف.
فقال له ابن عباس : كذبت والله أنت ، وليس كما ذكرت ، ولكنه لله ذكور ، ولنعمائه شكور ، وعن الخنا زجور ، جواد كريم ، سيد حليم ، إذا رمى أصاب ، وإذا سئل أجاب ، غير حصر ولا هيّاب ولا عيّابة مغتاب ، حلّ من قريش في كريم النصاب ، كالهزبر الضرغام ، الجريّ المقدام ، في الحسب القمقام ، ليس بدعيّ ولا دنيّ ، ولا كمن أختصم فيه من قريش شرارها ؛ فغلب عليه جزّارها ، فأصبح الأمها حسباً ، وأدناها منصباً ، ينوء منها بالذليل ، ويأذى منها إلى القليل ، مذبذب بين الحييّن ، كالساقط بين المهدين ، لا المضطر فيهم عرفوهُ ، ولا الظاعن عنهم فقدوه ؛ فليت شعري بأيّ قدر تتعرض للرجال ، وبأيُ حَسَب تعتد به تبارز عند النضال ، أبنفسك وأنت الوغد اللئيم ، والنكد الذميم ، والوضيع الزنيم ، أم بمن تنتمى إليهم ، وهم أهل السفه والطيش ، والدناء في قريش ، لا بشرف في الجاهلية شهروا ، ولا بقديم في الإسلام ذكروا ، جعلت تتكلم بغير لسانك ، وتنطق بالزور في غير أقرانك ، والله لكان أبين للفضل ، وأبعد للعدوان ، أن ينزلك معاوية منزلة البعيد السحيق ، فإنّه طالما سلسل داؤك ، وطمح بك رجاؤك ،