منهم لديه صحفاً منشّرة يحاسب عليها ، وقد تزايدت صحائف المتأخر على المتقدم ، حتى أضحت صحائف عثمان في حجم جبل الخندمة ، أما صحف معاوية فهي في حجم جبلي أحد وثبير.
واللافت للنظر أنّه لم يذكر عليّاً معهم ، إمّا لأنّه لا يراه خليفة ، مع إجماع المسلمين ـ إلاّ من شذّ ـ أنّه كان خليفة وإن عدّوه رابع الخلفاء ، ولعلّه إنّما لم يذكره لأنه لم ير فيه ما يشين سلوكه في سيرته أيام خلافته ، لأنّه كان مع الحق والحق معه ، وشعر ابن النابغة في القصيدة الجلجلية يشهد بذلك (١).
( دخل ابن عباس على عمرو بن العاص في مرضه فسلَم عليه ، وقال : كيف أصبحت يا أبا عبد الله؟
قال : أصبحت وقد أصلحتُ من دنياي قليلاً ، وأفسدتُ من ديني كثيراً ، فلو كان الذي أصلحت هو الذي أفسدت ، والذي أفسدت هو الذي أصلحت لفزت ، ولو كان ينفعني أن أطلب لطلبت ، ولو كان ينجيني أن أهرب هربت ، فصرت كالمنجنيق بين السماء والأرض لا أرقى بيدين ولا أهبط برجلين (٢) ، فعظني بعظة أنتفع بها يا بن أخي.
____________________
(١) أنظر الغدير ٢ / ١٧٦ ط مركز الغدير.
٢ ـ ذكر ابن أبي الحديد في شرح النهج ٢ / ١١٣ : ( أن ابن عباس قال له : يا ابا عبد الله كنت تقول أشتهي أن أرى عاقلاً يموت حتى أسأله كيف تجد؟
قال : أجد السماء كأنها مطبقة على الأرض وأنا بينها ، وأراني كأنما أتنفس من خرق إبرة ).