إنّ الخطابة التي كانت عند العرب ، يتفاضلون فيها بالعصبيّة ، ويتفاخرون عندها بالأنساب ، ولمّا جاء الإسلام جمع كلمتهم على الهدى والتقى باسم الإسلام ، وحسبنا أن نستذكر من خطبة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم التي ألقاها يوم فتح مكة عند الكعبة. فقال فيها : ( يا معشر قريش إنّ الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعظمها بالآباء ، الناس من آدم وآدم خلق من تراب ) (١).
وقال في خطبة من خطب حجة الوداع : ( أيّها الناس ، إنّ ربكم واحد ، وإنّ أباكم واحد ، وكلّكم لآدم وآدم من تراب ، وأكرمكم عند الله أتقاكم ، ليس لعربي على عجمي فضل إلاّ بالتقوى ) (٢).
فهو صلى الله عليه وآله وسلم لما جاء المسلمين بالقرآن الكريم فقد زاد العرب بلاغة وحكمة ، فصار خطباؤهم يزيّنون خطبهم بآية من آيات الذكر الحكيم ، وكتب السيرة والتاريخ والأدب ملاء بالشواهد ، وأبرز الخطباء بعد
____________________
(١) تاريخ الطبري ٢ / ٣٣٧.
(٢) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي ١ / ١٢٨.