فمن كان بهذه المثابة في المصدر في علومه ، هل تخفى عليه بلاغة عليّ عليه السلام وفصاحته في خطبه ومنثور حِكمه في كلامه ، وهو يعيش معه جنباً إلى جنب ، ثم لا يتعلم منه! لقد كان ابن عباس الوحيد من بين شيعة الإمام عليه السلام الذي روى الخطبة الشقشقية التي كشفت عن مكنون الضمير عند الأمير عليه السلام ، مع ما روى عنه ما خصّه به من حديث على نهج ما مرّ ، ودع عنك طبيعة البيت الهاشمي من امتياز في الفصاحة.
فمن هذا وذاك كان ابن عباس رضي الله عنه خطيباً بارعاً يأخذ بالألباب من سامعيه ، حتى كان بعضهم يرى على كلامه نوراً ، وآخر يودّ لو أذن له يقبّل رأسه ، وثالث يقول : لو سمعته الترك أو الديلم لأسلمت ، وكلّ هذا قد تقدم ذكره في الحلقة الأولى ، فلا نعيده ، ولنقرأ :
نماذج من بعض خطبه
١ ـ حدث عن يونس بن عبد الوارث ، عن أبيه ، قال : بينا ابن عباس رحمه الله يخطب عندنا على منبر البصرة إذ أقبل على الناس بوجهه ، ثم قال : ( أيتها الأمّة المتحيّرة في دينها ، أما والله لو قدّمتم من قدّم الله ، وأخرّتم من آخر الله وجعلتم الوراثة والولاية حيث جعلها الله ، ما عال سهم من فرائض الله ، ولا عال وليّ الله ، ولا اختلف اثنان في حكم الله ، فذوقوا وبال ما فرّطتم فيه ، بما قدّمت أيديكم ، وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلبٍ ينقلبون ) (١).
____________________
(١) أنظر أمالي الشيخ المفيد / ٢٧ و ١٥٢ ، بشارة المصطفى للطبري / ١٣٢ ، امالي الشيخ الطوسي / ٣٩ و ٦١ ط إيران ، الدرجات الرفيعة / ١٣٤ مخطوط بمكتبة الشيخ السماوي.