وما كان ابن حُديج يجرأ على السبّ لولا تعميم ابن هند أوامره الصارمة بفرض السبّ المقذع ، فكان يأمر الولاة بتشديد العقوبة بمن لا يرضى بالسبّ. وقد بدأ هو بنفسه تطبيق ذلك الإجراء الصارم حين أستلب الأمر من الإمام الحسن عليهالسلام باسم الصلح ، فكأنّ المهادنة فرشت له المهاد ، فساس بظلمه العباد والبلاد.
قال الجاحظ في ( البيان والتبيين ) : ( وجلس معاوية بالكوفة يبايع الناس على البراءة من عليّ رحمة الله ، فجاء رجل من بني تميم فأراده على ذلك ، فقال يا أمير المؤمنين نطيع أحياءكم ولا نبرأ من موتاكم ، فالتفت إلى المغيرة ، فقال : إنْ هذا رجل ، فاستوص به خيراً ... ) (١).
وروى الطبري وغيره : ( أنّه قال للمغيرة لمّا ولاه الكوفة في جمادى الأولى سنة ( ٤١ هـ ) :
أما بعد : لذي الحلم قبل اليوم ما تقرع العصا ، وقد قال المتلمس :
لذي الحلم قبل اليوم ما تقرع العصا |
|
وما عُلمّ الإنسان إلاّ ليعلما |
وقد يجزي عنك الحلم بغير التعلّم ، وقد أردت إيصاءك بأشياء كثيرة ، فأنا تاركها إعتماداً على بصرك بما يرضيني ويسعد سلطاني ، ويصلح به رعيتي ، ولستُ تاركاً إيصاءك بخصلة : لا تتحمّ عن شتم عليّ وذمّه ، والترحّم على عثمان والإستغفار له ، والعيب على أصحاب عليّ والإقصاء لهم ، وترك الإستماع منهم ، وبإطراء شيعة عثمان رضوان الله عليه ، والإدناء لهم والإستماع منهم.
____________
١ ـ البيان والتبيين ٢ / ١٠٥ تح هارون.