حتى في الحالات الاضطرارية كحصول المجاعة. وكانوا يقتلون أولادهم خوفاً من الفقر ، كما في قوله تعالى : ( ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ) ( الانعام ٦ : ١٥١ ). وفي آية أُخرى : ( ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم ) ( الإسراء ١٧ : ٣١ ).
والملاحظ في الآية الأولى ، إنّه تعالى قدّم رزق الآباء على رزق الأبناء، وفي الآية الاخرى ، نجد العكس ، إذْ قدّم رزق الأبناء على الآباء ، فما السرّ في ذلك ؟ وهل كان التعبير عفوياً ؟ بالطبع لا ؛ لأن التعبير القرآني قاصد ودقيق ، لا يقدّم كلمة أو يُؤخر أُخرى إلاّ لغاية وحكمة.
وعند التأمل العميق نجد ان قوله تعالى : ( ولا تقتلوا أولادكم من املاق ) ( الانعام ٦ : ١٥١ ). توحي بأن الفقر موجود بالفعل ، والمجاعة قائمة ، ولمّا كان اهتمام الإنسان في تلك الازمان يتمحور حول نفسه ، يخشى من هلاكها ، لذا يُطمئنه الخالق الحكيم في هذه الآية بانّه سوف يضمن رزقه أولاً ، ومن ثم رزق أولاده في المرتبة الثانية ، يقول له : ( نحن نرزقكم وإياهم ) أي يا أصحاب الاِملاق نحن نأتي برزقهم أيضاً.
بينما في الآية التالية ، يقول تعالى : ( ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق ) ( الإسراء ١٧ : ٣١ ) ، أي : خوفاً من فقر سوف يقع في المستقبل ، وبتعبير آخر : من فقر محتمل الوقوع ، وهنا يُطمئنه الرَّبّ تعالى بضمان رزق أبنائه أولاً ؛ لأنه يخاف إن جاءه أولاد أن يأتي الفقر معهم فيقول له مُطمئناً : ( نحن نرزقهم وإياكم ).
فالمعنى ـ في الآيتين ـ ليس واحداً ، وكلّ آية تخاطب الوالدين في ظرف معين ، ولكن تتحد الآيتان في الغاية وهي الحيلولة دون الاعتداء