وهجرتهم معه وإيمانهم الذي فجَّر في الأرض مرابع الحكمة والدين ، لم يكن بالدرجة الأولى منبعه الخوف منه ، حاشاه ، بل كانت محبّته هي السائق إلى توجه المؤمنين اليه وتصاعد لهجة الحبّ له ، وانتشار دينه وذيوعه في الأرض ، وما يرى من محاولات لإطفاء نوره منذ بواكير دعوته ، إلاّ وهي رجس من أعمال الشياطين ، ما تزال تقوم وتقعد جيلاً بعد آخر ، لكنّها لا تقدر على طمس دافعية الحبّ ، التي نعبّر عنها بسلامة الفطرة ، والتي هي في مقام النور ، وكل ما سواها لا يعبر إلاّ عن الظلمات.
إنّ جميع هذه القرائن تؤكّد أمراً هاماً هو من أساسيات أبحاثنا هنا ، مفادهُ أن الله سبحانه قد بثّ بين أنوار آيات كتابه ما يجعل المطلع يفهم أن الإمامة خصيصة يجعلها الله لنماذج يصطفيها من خلائقه ليس لأحد عليها من سلطان ، ومن أجل توضيحها يجريها على السنة المبشرين ، فمثلما يخبرنا رسول الله صلىاللهعليهوآله بلقاء الله تعالى وحلاله وحرامه ورضاه وغضبه ، يخبرنا أيضاً كيف نتلمس الهدي من بعده.
ولعمري أنه لكبيرة أن يفهم أو ينتشر بين البشر شي مخالف لهذا ، لأسباب عدّة أهمها ، أنه رسول الله وخاتم النبيين لم يفرط في شيء من حقوق الله تعالى وحقوق الناس ، كي يغمط هذا الحق ويبهمه علينا ، وهو الذي أُرسل رحمة للعالمين ، فكيف بأصحابه ، وأمته؟!