وكثرته ، والناس يومئذ على طبقات ومنازل ، فمنهم من يحاسب حسابا يسيرا وينقلب إلى أهله مسرورا ، ومنهم الذين يدخلون الجنة بغير حساب ، لانهم لم يتلبسوا من أمر الدنيا بشئ ، وإنما الحساب هناك على من تلبس بها هنا ، ومنهم من يحاسب على النقير والقطمير ، ويصير إلى عذاب السعير ، ومنهم أئمة الكفر وقادة الضلالة ، فاولئك لا يقيم لهم يوم القيامة وزنا ولا يعبأبهم ، لانهم لم يعبؤا بأمره ونهيه ، ويوم القيامة هم في جهنم خالدون تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون.
ومن سؤال هذا الزنديق أن قال : أجد الله يقول : « قل يتوفيكم ملك الموت الذي وكل بكم » (١) و : « الله يتوفى ألا نفس حين موتها » (٢) و : « الذين تتوفيهم الملائكة طيبين » (٣) وما أشبه ذلك ، فمرة يجعل الفعل لنفسه ، ومرة لملك الموت ، ومرة للملائكة.
وأجده يقول : « ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه » (٤) ويقول : « وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى » (٥) أعلم في الآية الاولى أن الاعمال الصالحة لا تكفر ، وأعلم في الآية الثانية أن الايمان والاعمال الصالحة لا ينفع إلا بعد الاهتداء.
وأجده يقول : « واسئل من أرسلنا من قبلك من رسلنا » (٦) فكيف يسأل الحي الاموات قبل البعث والنشور.
وأجده يقول : « إنا عرضنا الامانة على السموات والارض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الانسان إنه كان ظلوما جهولا » (٧) فما هذه الامانة؟ ومن هذا الانسان؟ وليس من صفة العزيز الحكيم التلبيس على عباده.
وأجده قد شهر هفوات أنبيائه بقوله : « وعصى آدم ربه فغوى » (٨) وبتكذيبه
__________________
(١) السجدة : ١١.
(٢) الزمر : ٤٢.
(٣) النحل : ٣٢.
(٤) الانبياء : ٩٤.
(٥) طه : ٨٢.
(٦) الزخرف : ٤٥.
(٧) الاحزاب : ٧٢.
(٨) طه : ١٢١.