يعملوا بطاعته « فنسيهم » في الآخرة أي لم يجعل لهم في صوابه شيئا ، فصاروا منسيين من الخير ، وكذلك تفسير قوله عزوجل : « فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا » (١) يعني بالنسيان أنه لم يثبهم كما يثيب أولياءه الذين كانوا في دار الدنيا مطيعين ذاكرين ، حين آمنوا به وبرسوله ، وخافوه بالغيب.
وأما قوله : « وما كان ربك نسيا » (٢) فان ربنا تبارك وتعالى علوا كبيرا ليس بالذي ينسى ولا يغفل ، بل هو الحفيظ العليم ، وقد يقول العرب في باب النسيان ، قد نسينا فلان ، فلا يذكرنا ، أي أنه لا يأمر لهم بخير ولا يذكرهم به ، فهل فهمت ما ذكر الله عزوجل؟ قال : نعم فرجت عني فرج الله عنك وحللت عني عقدة ، فعظم الله أجرك.
قال : وأما قوله : « يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا » (٣) وقوله : « والله ربنا ما كنا مشركين » (٤) وقوله : « يوم القيمة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا » (٥) وقوله : « إن ذلك الحق تخاصم أهل النار » (٦) وقوله : « لا تختصموا لدي وقد قدمت إليكم بالوعيد » (٧) وقوله : « اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون » (٨) فان ذلك في مواطن غير واحد من مواطن ذلك اليوم الذي كان مقداره خمسين ألف سنة.
يجمع الله عزوجل الخلائق يومئذ في مواطن يتفرقون ، ويكلم بعضهم بعضا ، ويستغفر بعضهم لبعض ، اولئك الذين كان منهم الطاعة في دار الدنيا من الرؤسا والاتباع ، ويلعن أهل المعاصي الذين بدت منهم البغضاء ، وتعاونوا على
__________________
(١) الاعراف : ٥١.
(٢) مريم : ٦٤.
(٣) النبأ : ٣٨.
(٤) الانعا : ١٠.
(٥) العنكبوت : ٢٥.
(٦) ص : ٦٤.
(٧) ق : ٢٨.
(٨) يس : ٦٥.