وقد رأيناها كيف أرسلتْ إلى أبيها على لسان زوجها تأمره ليُصلّي بالنّاس ، عندما علمتْ بأنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أرْسَلَ خلف علي ليكلّفَه بتلك المهمّة ، ولمّا علم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بتلك المؤامرة اضطرّ للخروج ، فأزاح أبا بكر عن موضعه وصلّى بالنّاس جالساً ، وغضب على عائشة وقال لها : « إنّكنّ أنتنّ صويحبات يوسف » ( يقصد أن كيدها عظيم ) (١).
والباحث في هذه القضية التي روتها عائشة بروايات مختلفة ومتضاربة يجدُ التناقض واضحاً ، وإلاّ فإنّ أباها عبّأه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في جيش ، وأمره بالخروج تحتَ قيادة أُسَامة بن زيد قبل تلك الصّلاة بثلاثة أيام ، ومن المعلوم بالضرورة أنّ قائد الجيش هو إمام الصلاة ، فأُسامة هو إمام أبي بكر في تلك السرية.
فلمّا أحسّتْ عائشة بتلك الإهانة ، وفهمت مقصود النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم منها ، خصوصاً وأنّها تفطّنت بأنّ علي بن أبي طالب لم يعيّنه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في ذلك الجيش الذي عبّأ فيه وجوه المهاجرين والأنصار ، والذين لهم في قريش زعامة ومكانة ، وقد علمتْ من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كْما علم أكثر أصحابه بأنّ أيّامه أصبحتْ معدودة ، ولعلّها كانتْ على رأي عمر بن الخطّاب في أنّ رسول الله أصبح يهجرُ ولا يدري ما يفعَلُ; فدفعتها غيرتها القاتلة أن تتصرّف بما تراه يرفع من شأن أبيها وقدره مقابل منافسه علي.
ولكلّ ذلك أنكرت أن يكون النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أوصى لعلي ، ولذلك حاولت إقناع البسطاء من النّاس بأنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم مات في حجرها بين سحرها
____________
(١) راجع شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٩ : ١٩٧.