وسخرت من كلّ التحذيرات.
ويذكر المؤرّخون أنّ حفصة بنت عمر أرادت الخروج معها ، ولكن أخاها عبد الله حذّرها وقرأ عليها الآية ، فرجعت عن عزمها ، أمّا عائشة فقد ركبت الجمل ، ونبحتها كلاب الحوأب.
يقول طه حسين في كتابه « الفتنة الكبرى » : مرّت عائشة في طريقها بماء فنبحتها كلابه ، وسألتْ عن هذا الماء فقيل لها : إنّه الحوْأب ، فجزعتْ جزعاً شديداً وقالتْ :
ردّوني ردّوني ، قد سمعتُ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول وعنده نساؤه : « أيّتكنّ تنبحُها كِلابُ الحوأب »؟ وجاء عبد الله بن الزبير فتكلّف تهدئتها ، وجاءها بخمسين رجلا من بني عامر يحلفون لها كذباً أنّ هذا الماء ليس بماء الحوأب (١).
وأنا أعتقد بأنّ هذه الرّواية وُضعتْ في زمن بني أُميّة; ليخفّفوا بها عن أُمّ المؤمنين ثقل معصيتها ، ظنّاً منهم بأنّ أُمّ المؤمنين أصبحتْ معذورة بعد أن خدعها ابن أُختها عبد الله بن الزّبير ، وجاءها بخمسين رجلا يحلفون بالله ويشهدون شهادة زوراً بأنّ الماء ليس هو ماء الحوأب.
إنّها سخافة هزيلةٌ يريدون أن يموّهوا بمثل هذه الروايات على بسطاء العقول ، ويُقنعونهم بأنّ عائشة خُدِعتْ; لأنّها عندما مرّتْ بالماء وسمعتْ
____________
صحيحاً ، بل الحقّ أنّ إخبار النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بذلك ، وتحقّق إخباره في الخارج دالٌ على معجزته ومدى معرفته ، وليس تنبأً كما حاول الشيخ إظهاره.
(١) المجموعة الكاملة لمؤلّفات طه حسين : ٤٦٩.