عناد لا يمكنُ تفسيره إلاّ إذا عرفنا عمق وشدّة الغيرة والبغضاء التي تحملها أُمّ المؤمنين لأبنائها المخلصين لله ورسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
لقد كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يدركُ عمق وخطورة المؤامرة التي تُدار حوله من جميع جوانبها ، ولا شكّ بأنّه عرف ما للنساء من تأثير وفتنة على الرّجال ، كما أدرك بأنّ كيدهن عظيم تكاد تزول منه الجبال.
وعرف بالخصوص بأنّ زوجته عائشة هي المؤهلة لذلك الدور الخطير ، لما تحمله في نفسها من غيرة وبغض لخليفته علي خاصة ، ولأهل بيته عامّة ، كيف وقد عاش بنفسه أدْواراً من مواقفها وعداوتها لهم ، فكان يغضب حيناً ، ويتغير وجهه أحياناً ، ويحاول اقناعهم في كلّ مرّة بأنّ حبيب علي هو حبيب الله ، والذي يبغض عليّاً هو منافق يبغضهُ الله.
ولكن هيهات لتلك الأحاديث أن تغوص في أعماق تلك النّفوس التي ما عرفتْ الحقّ حقّاً إلاّ لفائدتها ، وما عرفت الصّواب صواباً إلاّ إذا صدر عنها.
ولذلك وقف الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم لمّا عرف بأنّها هي الفتنةُ التي جعلها الله في هذه الأُمّة; ليبتليها بها كما ابتلى سائر الأُمم السّابقة ، قال تعالى : ( ألم * أحَسِبَ النَّاسُ أنْ يُتْرَكُوا أنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ ) (١).
وقد حذّر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أُمّته منها في مرّات متعدّدة ، حتى قام في يوم من الأيام واتّجه إلى بيتها وقال : « ههنا الفتنة ، ههنا الفتنة حيث يطلع قرن الشيطان » ، وقد أخرج البخاري في صحيحه في باب ما جاء في بيوت
____________
(١) العنكبوت : ١ ـ ٢.