سبحانه الله! فإذا كان النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم هو نفسه لا يعرف الكثير منهم ، فكيف يُحصر النّفاق بابن أُبي والجد بن القيس المعلومين لدى عامّة المسلمين؟
وإذا كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم علم ببعضهم ، وعلّم أسماءهم إلى حُذيفة بن اليمان ـ كما تقولون ـ وأمره بكتمان أمرهم حتّى إنّ عمر بن الخطّاب أيام خلافته كان يسأل حذيفة عن نفسه ، هل هو من أهل النّفاق؟ وهل أخبر النّبي باسمه؟ كما تروون ذلك في كتبكم (١).
وإذا كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قد أعطى للمنافقين علامةً يُعرفونَ بها ، وهي
____________
(١) إحياء علوم الدين للغزالي ١ : ١١٤ كتاب العلم ، ويشهد له ـ أيضاً ـ أنّ أُم سلمة رضوان الله عليها كانت تحدّث بحديث النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم « إنّ من أصحابي من لا يراني بعد موتي أن أفارقه .. » ، فلمّا سمع عمر بالحديث انطلق لاُمّ سلمة قائلاً : بالله منهم أنا ، فقالت : لا ، ولا أُبرئ أحداً بعدك.
مجمع الزوائد ٩ : ٧٢ وصحّح سنده ، مسند أحمد ٦ : ٢٩٠.
قال العلاّمة المقبلي في معرض كلامه عن الصحابة والأفعال السيئة التي صدرت من بعضهم : « إنّها أغلبية لا عامة وإنّه يجوز عليهم ما يجوز على غيرهم من الغلط والنسيان والسهو ، بل والهوي! ويؤيّدون رأيهم بأنّ الصحابة إن هم إلاّ بشر يقع منهم ما يقع من غيرهم ، وممّا يرجع إلى الطبيعة البشرية ... ويعززون حكمهم بمن كان منهم في عهده ـ صلوات الله عليه ـ من المنافقين والكاذبين ، وبأنّ كثيراً منهم قد ارتدوا عن دينهم بعد أن انتقل إلى الرفيق الأعلى.
بله ما وقع منهم من الحروب والفتن التي أهلكت الحرث والنسل ولا تزال آثارها ، ولن تزال إلى اليوم وما بعد اليوم ، وكأن رسول الله ـ صلوات الله عليه ـ قد رأى بعيني بصيرته النافذة ما سيقع من أصحابه بعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى فقال في حجة الوداع : « لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض » العلم الشامخ : ٩٢.