فقلت له : « الحادثة في منتهى الفظاعة والتجنّي على النبيّ صلىاللهعليهوآله ، لكنّها لم تفصح عن الجاني ، ولا أخبرت عن الجماعة التي كانت تقف معه ذلك الموقف وتسانده ».
قال : « الرواية الثانية هي التي فضحت الجاني وكشفت شخصه ، عندما عمد من عمد إلى التخفيف من حدّة الألفاظ التي أطلقها ، واستبدالها بألفاظ تخفّف من الوزر الذي لحق به ».
أخرج البخاري بسنده عن ابن عباس قال : « لمّا حضر النبيّ صلىاللهعليهوآله وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب ، قال : هلمّ أكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعده ، قال عمر : إنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله غلبه الوجع وعندكم القرآن فحسبنا كتاب الله ، واختلف أهل البيت واختصموا ، فمنهم من يقول : قرّبوا يكتب لكم رسول الله صلىاللهعليهوآله كتاباً لن تضلّوا بعده ، ومنهم من يقول ما قال عمر ، فلمّا أكثروا اللغط والاختلاف عند النبيّ صلىاللهعليهوآله قال : قوموا عنّي. قال عبيد الله : « فكان ابن عباس يقول : إنّ الرزيّة كلّ الرزيّة ما حال بين رسول الله صلىاللهعليهوآله وبين أنْ يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم » (١).
وتبين أنّ الذي وقف في وجه النبيّ صلىاللهعليهوآله ليمنعه من إنفاذ أمره في كتابة وصيته ، ليس إلّا عمر بن الخطاب ، وقد أجمع الرواة والمحدّثون وأصحاب السيّر والمؤرخون جميعاً على الإقرار بصحّة وقوع ذلك ، غير أنّهم التمسوا له العذر في موقفه ، معلّلين بأنّه لم يكن قاصداً أذيّة النبيّ صلىاللهعليهوآله ، ولا التعرّض له ، فطبعُ الرجل عندهم دائماً ميّالاً إلى الغلظة والتحرّش والاستفزاز ، وقد ظهرت منه قبل ذلك مواقف طواها الزمن في سجلّه الحافل بالتجاوزات.
قلت له : لكن لماذا وقف عمر ذلك الموقف الغريب ؟ »
_________________
(١) صحيح البخاري ٨ : ١٦١ ، صحيح مسلم ٥ : ٧٦.