قال : قبل أنْ تسأل عن ذلك ، وجب عليك أن تلتفت إلى أنّ مكان عمر ، ما كان له أن يكون في بيت النبيّ صلىاللهعليهوآله ، لولا تمرّده عن الخروج مع أسامة بن زيد ، في الجيش الذي بعثه النبيّ صلىاللهعليهوآله لقتال الروم ، والذي عسكر في الجرف قرب المدينة استعداداً للرحيل ، وكان قائده أسامة يحاول جمع عناصره التي كانت تأبى عليه ذلك ، بعد المعارضة التي ظهرت إثر تعيينه ، استخفافاً بشخصه واستنقاصا له ، وعصياناً لأمر النبيّ صلىاللهعليهوآله.
قلت له : « وهل كان عمر ضمن الأفراد الذين عيّنهم النبيّ صلىاللهعليهوآله ، ليكونوا تحت إمرة أسامة بن زيد ، ثمّ كان من المعارضين لتعيين أسامة ؟ »
قال : « نعم ، لقد صرّح بذلك أغلب أصحاب السيّر والتاريخ ، ذاكرين عدداً من الصحابة الذين نصّ عليهم النبيّ صلىاللهعليهوآله ، ليكونوا ضمن تعداد ذلك الجيش ، منهم : أبو بكر وعمر وأبو عبيدة (١) ، وليست المرّة الأولى التي يكون فيها عمر جنديّاً تحت إمرة غيره ، ففي غزوة ذات السلاسل كان تحت إمرة عمرو بن العاص (٢) ، وفي خيبر كان تحت إمرة الإمام عليّ عليهالسلام ، وقد رجع قبل ذلك يجبّن أصحابه ، وأصحابه يجبّنونه » (٣).
أمّا فيما يخصّ معارضته لتعيين أسامة ، فليس أدلّ على ذلك ، من تحمّله مسؤولية نقل ذلك إلى الخليفة الأوّل عندما طلب منه استبدال أسامة بقائد آخر ، ولو كان الرجل يقدّر المسألة ، لما اندفع في غمارها يطلب بدلاً عن تعيين النبيّ صلىاللهعليهوآله (٤). قلت : « لكن لماذا يُقدم صحابي بذلك المقام على معصية النبيّ صلىاللهعليهوآله » ؟
_________________
(١) فتح الباري ٨ : ١١٥ ، الكامل في التاريخ ٢ : ٣١٧.
(٢) المصدر نفسه ٢ : ٢٣٢.
(٣) انظر المصنّف لابن أبي شيبة ٨ : ٥٢١ ، المستدرك على الصحيحين ٣ : ٣٨.
(٤) الكامل في التاريخ ٢ : ٣٣٥.