أنبياء ، أم أنّ لهم مقاماً آخر لا يقل أهميّة عن مقام النبوّة ؟
ووجدت الجواب في قوله تعالى لإبراهيم عليهالسلام : ( إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ) (١). بمعنى أنّي جاعلك قدوة وهادياً في الناس ، يتّبعون أثرك ، ويأتمرون بأمرك ، ويقتدون بك ، ويسلكون طريقك. وفرح إبراهيم الخليل عليهالسلام بالإمامة وسأل الله سبحانه وتعالى أنْ تكون في ذريته ، لكن الله تعالى اشترط فيها شروطاً ، منها : أنّ الظالم لا يمكن أنْ يكون إماماً ، والظلم كما هو معروف ليس محصوراً في عمل ما ، أو خاصّ بصفة ما ، بل يصطلح على كلّ عمل أو صفة خارجة عن الأوامر والنواهي الإلهية ، والتي من بينها الشرك بالله ، قال تعالى : ( إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ) (٢).
ولمّا تبينت مقام الإمامة ، تساءلت عن دورها في المجتمع وخلافتها لمرحلة النبوّة ؟
وجدت قوله تعالى مفسّراً لذلك السؤال : ( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ ) (٣). وظهر من الآية أنّ الدور الموكل للإمامة ، والعمل المناط بالأئمّة عليهمالسلام ، هو هداية الناس بعد الأنبياء ، وإرشادهم إلى العمل الصالح ، والنهج القويم ، وحثّهم على المبادرة إلى عمل كلّ خير من شأنه أنْ يُرغّب الناس في القرب من الله ، فكانوا بهداية الله تعالى أمثلة تحقّق مصداق تشريعاته ، قال تعالى : ( أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ) (٤). وأمر عباده المؤمنين باتّباعهم ، وكانت إرادته في أن يكون هؤلاء الأخيار حججه على خلقه في الدنيا والشهداء بالحقّ عليهم في الآخرة ، قال
_________________
(١) البقرة : ١٢٤.
(٢) لقمان : ١٣.
(٣) الأنبياء : ٧٣.
(٤) الأنعام : ٩٠.