أمّا فيما يخصّ مرحلة الحفظ ، فقد جعل الربانيين يتسلمون دور الإمامة من أولئك المرسلين ، ومنحهم من تزكيته وتأييده وعلومه ما أمكنهم إعداد مرحلة جديدة ودور يستطيع أنْ يخلف الإمامة الربانيّة الهادية ، وهو دور العلماء الرّبانيين ، قال تعالى : ( إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ) (١). واقتنعت بذلك أنّه ليس هناك تنزيل بدون واسطة من الله تعالى ، كما أنّه ليس هناك حفظ دون واسطة أيضا ، وتساءلت بعد ذلك : إذا كان الاصطفاء كذلك ، فأين يوجد في الأمّة الإسلاميّة ؟
كان حديث الثقلين هو الذي أرشدني إلى الصفوة الطاهرة من أهل بيت النبيّ صلىاللهعليهوآله ، بعد الغيبة التي أخضعوا لها قسراً في وجداني ووجدان الأمة الإسلامية ، فقد قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : « تركت فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبداً ، كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، وإنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ، فانظروا كيف تخلّفوني فيهما » (٢) واصطدم الحديث برواية مالك : كتاب الله وسنّتي (٣). لكنّ رواية مالك لم تصمد أمام تعدّد طرق حديث الثقلين وصحّة أسانيده ، مقابل رواية منقطعة ، لا سند لها ، وفوق ذلك ، فالخلاف ليس في اعتماد السنّة النبويّة كمصدر من مصادر التشريع من عدمه ، فإنّ السنة النبوية لم يقل أحد بإلغائها سوى ما صدر من عمر بن الخطاب عند منعه النبي صلىاللهعليهوآله من كتابة وصيته ، وقال : « حسبنا كتاب الله (٤) ، وكلّ من قال بعده بذلك الرأي فهو مستند إليه. بل إنّ الخلاف وقع في المصدر الذي تؤخذ منه تلك السنّة ، ويؤمن معه عليها من الضياع والتحريف.
_________________
(١) فاطر : ٢٨.
(٢) تقدم في حلقة سابقة.
(٣) تقدم في حلقة سابقة.
(٤) صحيح البخاري ٥ : ١٣٨ و ٧ : ٩ وصحيح مسلم ٥ : ٧٦ وغيرها الكثير من المصادر.