النبي صلىاللهعليهوآله لهم ، فدعوى جمع القرآن على عهد الخليفة الأوّل ، ثمّ جمعه ثانية على عهد الخليفة الثالث ، عارية من الصحّة تماماً ، وهي إلى إضفاء الشرعيّة والقداسة على الخلفاء الثلاثة الأوائل أقربُ منها إلى الواقع ، فقوله تعالى : ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) (١). دليل على بطلان حفظ هؤلاء ، فنزول القرآن كان عن طريق جبرائيل عليهالسلام على النبيّ الأعظم صلىاللهعليهوآله ، وحفظه كذلك من الله تعالى بواسطة خليفة النبيّ صلىاللهعليهوآله الحقيقيّ وهو الإمام عليّ عليهالسلام ، قال تعالى : ( وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُّبِينٍ ).
وباعتبار أنّ غصب السلطة من أصحابها المنصوص عليهم من طرف الوحيّ ، كان لا بدّ له من سند يحفظ بقاءها بعيداً عن طلب أصحاب الحقّ وأتباعهم. وبقاء تلك المصاحف عند أصحابها قد يؤدّي بالتفاسير التي نقلها الحفاظ من الصحابة إلى تسرّبها وانتشارها بين المسلمين ، ممّا سيسبّب قلقاً وإحراجاً للسلطة الغاصبة ، ويشكّل في حدّ ذاته خطراً على استمرارها ، وعاملاً مهما يدفع إلى تقويضها ، بما اشتملت عليه من نصوص شارحة لنظام الحكم في الإسلام ، ومبيّنة شرائط إمام الأمّة وخصائصه ، فاتّجه دهاة ذلك الخطّ إلى جمع تلك المصاحف ، وحرقها في عهد الخليفة الثالث ، فأُحرقت بسبب ذلك مصاحف عديدة أخذت من أصحابها عنوة.
أمّا السنّة النبويّة ، فلم تدوّن عند أتباع خطّ الفئة الغاصبة للحكم الإسلامي إلّا في منتصف القرن الثاني ، وكان موطّأ مالك أوّل تلك السنن المكتوبة ، ولم يتسن لهم ذلك إلّا بعد أنْ أذن له أبو جعفر المنصور ، وبمعنى آخر لم تكتب السنّة النبويّة عند ذلك الخطّ ، إلّا بعد ذهاب جيلي الصحابة والتابعين ، وما بينهما عاث طلقاء بني أميّة كذباً وافتراء في سنن وسيرة النبيّ صلىاللهعليهوآله ، حتّى كادت معالمها الصحيحة
_________________
(١) الحجر : ٩.