الثانية : أخرج الطبراني بسنده إلى أمّ سلمة قالت : « كان الحسن والحسين رضي الله عنهما يلعبان بين يدي النبي صلىاللهعليهوآله في بيتي ، فنزل جبريل عليهالسلام ، فقال : يا محمّد ، إنّ أمّتك تقتل ابنك هذا من بعدك ، فأومأ بيده إلى الحسين ، فبكى رسول الله صلىاللهعليهوآله وضمّه إلى صدره ، ثمّ قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : وديعة عندك هذهِ التربة ، فشمّها رسول الله صلىاللهعليهوآله وقال : ويح كربّ وبلاء. قالت : وقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : يا أمّ سلمة ، إذا تحوّلت هذهِ التربة دماً فاعلمي أنّ ابني قد قتل. قال : فجعلتها أمّ سلمة في قارورة ، ثمّ جعلت تنظر إليها كلّ يوم وتقول : إنّ يوماً تحوّلين دماً ليوم عظيم » (١).
إذن ، فالنبي صلىاللهعليهوآله بكى على ولده وهو بين يديه ، وكانت عيناه تذرفان الدموع كلما رآه ، لذلك حاول أنْ يبني في قلوب المسلمين محبّة أهل بيته ، والحسين منهم عليهمالسلام ، زيادة على تأسيس رابطة الأخوّة والمحبّة بين جميع أفراد الأمّة نافياً الإيمان عن كلّ من لا يتقيّد بتلك الثوابت ، فقد قال أكثر من مرّة : « لا يؤمن أحدكم حتّى يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه » (٢) ، بكاه خيرُ أهل الأرض ، أفلا ترى عدم البكاء عليه إجحافاً في حقّ الإسلام وقيَمه العظيمة. وتدلّ على أنّ صاحبه يتميّز بقلب رقيق وفيّاض بالمودّة والرحمة ، والخطر كلّ الخطر من أولئك الذين لهم قلوب كالحجارة أو أشدّ قسوة ، خرجت الرحمة منها فتركتها صلدة بلا شعور أو إحساس ، والنبيّ يعقوب عليهالسلام بكى على فقد ابنه يوسف حتّى ذهب نور بصره ، ويعني ذلك أنّه بكى سنين طويلة ، وهو يدرك جيّداً أنّ ابنه لم يمت ، وسوف يلتقي به ، فلم يعاتبه الله سبحانه وتعالى على فعله ذلك ، ولا طلب منه الإقلاع عنه ، فكيف بالله عليك ترى أنت وخطّك الذي تتبعه في البكاء نكارة ومذمّة ، ولا
_________________
(١) المعجم الكبير ٣ : ١٠٨ ، تاريخ دمشق ١٤ : ١٩٢.
(٢) صحيح البخاري ١ : ٩ ، صحيح مسلم ١ : ٤٩.