أراكم متّبعين فيه سنّة للنبيّ صلىاللهعليهوآله ، فليس هناك ما يشير من قريب ولا بعيد إلى نهيه عن البكاء ، وما هي والله إلّا سنّة صاحبكم في نهيه عن البكاء ، بعدما اتّبعتموه في بدع عديدة ، كالبدعة التي استحدثها جماعة في نوافل ليالي شهر رمضان والمعروفة عندكم بالتراويح (١).
قلت : دعني من هذا كلّه وقل لي الآن ، ما الفرق بين ثورة الحسين عليهالسلام ، وثورة عبد الله بن الزبير.
قال : كالفرق بين واضحة النهار ، وظلام الليل الدامس.
قلت : كيف ذلك ، وهما ثورتان إسلاميتان ؟
قال : لم يخرج الإمام الحسين عليهالسلام إلّا بعد أنْ حوصر وضُيّق عليه من أجل أخذ البيعة ليزيد الفاسق لعنه الله ، وباعتبار أنّ أبا عبد الله عليهالسلام يمثّل القدوة الإسلامية وقمّة التقوى التي يمكن أنْ توجد في المجتمع ، فمثله لا يبايع مثل ذلك الخبيث ، ولم يكن خروجه لنفسه ، أو لحاجة شخصيّة يريد قضاءها ، بل خرج طلباً للإصلاح في أمّة جدّه ، ورغبة منه في إبطال بيعة الظالمين عمليّاً ، وكان هو القدوة المؤهّل لتلك المهمّة ; لتكون الدلالة الكبرى على بطلان مبايعة كلّ ظالم إلى أنْ يرث الله الأرض ومن عليها ، لقد جسّد الإمام الحسين الرؤية القرآنية في التعامل مع الظلم ، وبمقارعته له في قلّة قليلة ضرب مثلا قرآنيّاً يقول فيه سبحانه وتعالى : ( كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ) (٢).
فرغم استشهاده عليهالسلام ومن معه من أهل بيته وأصحابه رضوان الله تعالى عليهم ، فإنّه من يعرف حقيقة الشهادة وفلسفتها ، يؤمن بأنّ الإمام أبا عبد الله
_________________
(١) والتي اعترف عمر نفسه بأنها بدعة فقال : « نعم البدعة هذه » ، صحيح البخاري ٢ : ٢٥٢.
(٢) البقرة : ٢٤٩.