على مرّ العصور ، فلم
تظهر دعوة إلى الوحدة الإسلاميّة ، إلّا والمسلمون الشيعة قد سبقوا إليها ، ودعوا إلى تفعيلها وإقامتها على الأسس التي أمر بها الباري سبحانه وتعالى ، ليس هذا فقط ، بل لقد شكّل انضباط المسلمين الشيعة حول علمائهم ومرجعياتهم ، السمة البارزة التي ميّزتهم عن بقيّة الخطوط الإسلاميّة ، الفاقدة في
أغلبها للمرجعيّة والانضباط. إنّ السمة التي ميّزت روّاد نهضة العصر
الحديث ، دعوتهم الملحّة للوحدة والعمل من أجل غرس بذرتها في قلب الأمّة الإسلاميّة ، ففي القرن التاسع عشر ، عندما كانت الأمّة الإسلاميّة ترزح تحت وطأة التخلّف الذي ألمّ بها ، من جرّاء ضياع مقاليد الحكم الإسلامي ، وسقوطه بين أيد غير كفئة به ، جاء السيد جمال الدين الحسيني الأسد آبادي الملقب بالأفغاني ليركّز ثقافة الوحدة والتوحيد بين طلائع الأمّة الإسلاميّة من علماء ومتعلمين ، واستطاع بلباقته وسعة إطلاعه وتبصّره ، أنْ يجمع حوله عدداً من العلماء في كلّ من إيران والعراق وأفغانستان والهند ومصر وتركيا ، وأنْ يؤسّس لمشروع الفكر الإسلاميّ الوحدوي ، من خلال ما كان يطرحه من كتابات ، في مجلّة العروة الوثقى التي صدرت أعدادها القليلة في المهجر ( فرنسا ) ، ولئن لم يكتب لتلك التجربة الرائدة النجاح ، بتحقيق المطلب الغالي الذي كان يؤمله السيّد الجليل ، إلّا أنّ الجهد الذي قدّمه ، والفكرة التي غرسها في ضمائر طليعة الأمّة ، كان لها الأثر الإيجابي في بناء وعي كامل ، وإدراك شامل بواقع الأمّة وسبيل نهضتها. وجاء بعده السيّد الأجل عبد الحسين شرف
الدين الموسوي ، صاحب كتاب المراجعات ، الذي أسّس مع جماعة من علماء مصر أمثال الشيخ حسن البنّا جماعة التقريب بين المذاهب الإسلاميّة ، امتداداً لحركة السيّد جمال الدين