وعمر وأبو عبيدة بن الجراح وغيرهم.
لم أجد خلافا حول بعث أسامة بن زيد في التواريخ والسير ، ولا وجدت عدم توافق في أسماء الذين ذكروا في ذلك التجهيز ، الخلاف الوحيد الذي نشأ تمثّل في اختلاف المحدثين عن ردّة فعل النبيّ صلىاللهعليهوآله حيال ذلك التمرّد والتقاعس على تأميره لأسامة ، هل لعن المتخلّف عن الجيش ، أو لم يلعنه ؟ (١)
ومهما يكن من أمر ذلك اللعن بالنسبة لي ، سواء صدر أم لم يصدر ، فإنّ مجرد الوقوع في معصية النبيّ صلىاللهعليهوآله تستوجب اللعن والبراءة ، والنعت بالضلال ، قال تعالى : ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا ) (٢) فقد وقفت على حقيقة وقوع ذلك التعيين ، وقلت في نفسي ، بعد أن وجدت أمامي ازدواجية في تواجد عدد من الصحابة المعيّنين من النبيّ صلىاللهعليهوآله في جيش أسامة ، الذين يفترض أن يكونوا خارج المدينة بالجرف ، حيث عسكر أسامة بجيشه ليستكمل عدّته وعدده ، غير أنّ الحاصل خلاف ذلك ، فكان عمر يتوسط جماعة من الصحابة في حجرة النبيّ صلىاللهعليهوآله ، وعلى مرأى ومسمع منه ، يتصدّى لأمره في كتابة وصيّته ، ويتقوّل عليه بالهذيان ، ويتهمه بالهجر (٣) ، وإذا بأبي بكر في المسجد يصلّي بالناس ، فهل استثناهما النبيّ صلىاللهعليهوآله من ذلك الجيش ؟ أو أنّ في الأمر سرّاً مخفيّاً آخر ؟
ولمّا لم يذكر المؤرخون لذلك الاستثناء أصلاً ، وظهر ما يدعو إلى القول
_________________
(١) وممّن ذكر اللعن وأقرّ به ، الشهرستاني في الملل والنحل ١ : ٢٣ ، والآمدي على ما نقله الأيجي في المواقف ٣ : ٦٤٩ ـ ٦٥٠ ، وراجع بعث جيش أسامة في صحيح البخاري ٤ : ٢١٣ ، ٥ : ٨٤ ، صحيح مسلم ٧ : ١٣١ ، الطبقات الكبرى لابن سعد ٢ : ٢٤٩ ، ١٩٠ ، تاريخ الطبري ٢ : ٢٤٩ ، الكامل في التاريخ ٢ : ٣١٧. فتح الباري ٨ : ٨١٥ عمدة القاري ١٨ : ٧٦ ، شرح نهج البلاغة ٦ : ٥٢.
(٢) الأحزاب : ٣٦.
(٣) وذلك في رزيّة الخميس المشهورة ، وقد تقدّمت في حلقة سابقة.