بافتعال أبي بكر ومن كان معه الصلاة بالناس ، لبلوغ غاية ما ، فقد ظهرت بعض الروايات تنوء بتحريف عجيب ، وتحكي حالة فريدة من نوعها في صلاة الجماعة ، في محاولة للتعمية على حقيقة تنحية أبي بكر عن إمامة الصلاة ، فقالوا : صلّى أبو بكر مقتدياً بالنبيّ ، وصلى الناس مؤتمين بأبي بكر (١) ، فلم أتقبل رواية الصلاة بإمامين ، كما لم يقبل عقلي أن يقتدي الناس بأبي بكر ، ويتركون النبيّ صلىاللهعليهوآله ، في حين أنّ الحقيقة المطموسة تقول : لقد وقعت تنحية أبي بكر عن إمامة الصلاة بالناس ، في وقت ظنّ هو وجماعته أنّ النبي صلىاللهعليهوآله ، لم يعد باستطاعته أنْ يستفيق من إغمائه ، ولا أنْ يعي بما يدور حوله ، فيكون ذلك التقديم وتلك الإمامة ، مبرراً على طريق استلام الحكم ، وحجّة تمكنه من الادّعاء بأنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله أمره بالصلاة بالناس.
كما ظهر من خلال تتبّعي لسيرة النبيّ صلىاللهعليهوآله في تعامله مع إمامة الصلاة ، أنّه صلىاللهعليهوآله لم يكن يُعيّن أحداً يُصلّي بالناس في غيابه ، وقد كانت كلمته دائما : « مروا مَنْ يُصلّي بالناس » (٢) وذلك بناء على قاعدة الأعلميّة والتفقّه ، وليس على القاعدة التي اعتمدها أهل الجاهليّة في تنصيب زعمائهم ، وهي اعتبار كبر السن والمكانة الاجتماعيّة والماليّة ، مع أنّه صلىاللهعليهوآله في حياته الشريفة كان ملتفتاً إلى مسألة الإمارة في غيبته عن المدينة ، فأهميّتها كمنصب حسّاس وخطير ، كانت تحتّم عليه تنصيب من يخلفه عليها في غزواته وسفراته ، فعيّن فيمن عيّن عليّاً ، ولم يعيّن أحداً من الذين تولّوا الحكم قبله ، وذلك يدلّ على استحقاقه للإمارة قبل هؤلاء جميعاً.
_________________
(١) صحيح البخاري ١ : ١٦٢ ، سنن ابن ماجة ١ : ٣٩١.
(٢) انظر مسند أحمد ٤ : ٣٢٢ ، لكن كالعادة فإن الرواية طعمت بما يخالف ذلك فصورت استياء شديد من النبي صلىاللهعليهوآله لعدم صلاة أبي بكر بالناس ! فلا ندرى لماذا يعمم النبي صلىاللهعليهوآله القول فيمن يؤم الناس ، ثم يستاء ذلك الاستياء الشديد لعدم صلاة ابي بكر.