إحدى الحقائق التي قفزت إلى فكري ، جاءت نتيجة مقارنة بين موقفين وقفهما مؤسّس الانقلاب على إمامة عليّ عليهالسلام ، ألا وهو الخليفة عمر بن الخطاب ، ففي غزوة أحد فرّ الرجل مع من فرّ من الصحابة (١) عندما اعتقدوا بمقتل النبيّ صلىاللهعليهوآله ، لمّا راجت إشاعات أكدت ذلك ، ففي تلك اللحظة وفي ذلك اليوم صدّق عمر أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله قد قتل ، وكان من ضمن الفارّين ، واقفاً على صخرة في أعلى الجبل يدرأ عن نفسه غيلة القتل. وعقيدته بأنّ النبيّ بشر يمكن موته وقتله ، هي التي كانت الدافع وراء فراره في محاولة منه للنجاة بنفسه.
والموقف الثاني ، عندما بلغته وفاة النبيّ صلىاللهعليهوآله ، فما كان منه إلّا أنْ سلّ سيفه ، ووقف أمام الوافدين على بيت النبيّ صلىاللهعليهوآله ، لاستجلاء الخبر ، وإظهار الفجيعة والحزن ، قال : والله ! ما مات رسول الله صلىاللهعليهوآله ; ولا يموت ، حتّى يقطع أيدي أناس من المنافقين كثير ، وأرجلهم ، فقام أبو بكر فصعد المنبر فقال : من كان يعبد الله فإنّ الله حيّ لم يمت ، ومن كان يعبد محمّداً فإنّ محمّداً قد مات ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ ) (٢) قال عمر : فَلَكأنّي لم أقرأها إلّا يومئذ » (٣).
فلم يهدأ الرجل من تهديده ، ولا انقطع وعيده ، ولا سكنت دعايته الغريبة والعجيبة ، إلّا عندما أقبل صاحبه ابن أبي قحافة من خارج المدينة ، وقال كلمته التي أعادت لعمر رشده ، وأطلعته على حقيقة موت النبيّ صلىاللهعليهوآله.
وبالاطلاع على الموقفين لعمر تبيّن لي تناقضهما ; لأنّ موقف قبول مقتله على
_________________
(١) انظر فرار عمر في تفسير الفخر الرازي مجلد ٣ ، ح٩ : ٥٠ ، وشرح نهج البلاغة ١٥ : ٢٤ ، عن الواقدي ، وغير ذلك من المصادر العديدة.
(٢) آل عمران : ١٤٤.
(٣) انظر سنن ابن ماجة ١ : ٥٢٠ ، وانظر ترتيب منه في الأحكام ٢ : ٢٣٨.