أيدي المشركين ، وتسليمه بذلك ، وفراره عند سماعه لذلك النبأ ، يختلف تمام الاختلاف مع ما صدر منه عند سماعه لنباء وفاة النبي صلىاللهعليهوآله ، وتحقّقه من تلك الوفاة بقدومه إلى بيت النبيّ صلىاللهعليهوآله ، وإشهاره السيف أمامه.
فهمت قطعاً ، وفهم كلّ عاقل مرّت عليه هذه الاستنتاجات ، أنّ عمر كان يدرك جيّداً وقوع الموت على النبيّ صلىاللهعليهوآله وعلى كلّ الناس ، ولشدّة إدراكه لموت النبيّ صلىاللهعليهوآله ، جاء هروبه ، ووقع فراره من أحد لمجرد إشاعة تناهت إلى أسماعه ، مع أنّه قد يكون من الذين تحدّث عنهم الحلبي الشافعي في سيرته المعروفة بالسيرة الحلبية ، حيث ذكر أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله كان يناديهم : إليّ يا فلان إليّ يا فلان ، أنا رسول الله ، فما يعرج إليه أحد » (١). ولم يكن موقفه يوم وفاة النبيّ صلىاللهعليهوآله نابعاً من عقيدة تخلّلت عقله ، وغيّرت من اعتقاده ، وإنّما جاءت تنفيذاً لمخطّط يقضي بحصر نبأ وفاة النبيّ صلىاللهعليهوآله ، حتّى لا ينتشر ، فتمتلىء المدينة بالوافدين ; فيكون ذلك عائقاً دون تنفيذ مخطّط الانقلاب على منصب الحكومة الإسلاميّة.
الحقيقة الأخرى التي أطلّت عليّ ، ولم أتبيّنها إلّا فيما بعد هي حركة التمرّد على تأمير النبيّ صلىاللهعليهوآله لأسامة بن زيد ، فمن يكونوا هؤلاء ؟ ولماذا ذلك الطعن ؟ وهل هو متعلق بشخص أسامة فقط ، أم يتجاوزه إلى أشياء أخرى ؟
فقد ذكر المؤرّخون وأصحاب السير ، أنّ عمر ذهب إلى أبي بكر بعد أنْ تمّ له أمر الحكومة ، وعبّر له عن رغبته في تغيير القائد أسامة بن زيد ، وتكلّم على أساس أنّه مفوّض من قبل عدد من الصحابة ، فردّ عليه قائلاً : « ثكلتك أمّك يابن الخطّاب ، مستعمله رسول الله وتأمرني أنْ أعزله » (٢). فلو كان ابن الخطاب يدرك معنى النبوّة والنبيّ صلىاللهعليهوآله وقدسيّته وطاعته حيّا وميّتا لدافع عن ذلك التعيين ، ولما
_________________
(١) السيرة الحلبية ٢ : ٥٠٥.
(٢) تاريخ الطبري ٢ : ٤٦٢ ، الكامل في التاريخ ٢ : ٣٣٥ ، تاريخ دمشق ٢ : ٥٠ ، واللفظ للكامل.