احتاج منه الأمر إلى طلب تغيير قائد عيّنه رسول الله صلىاللهعليهوآله ، ولكن ماذا يمكن أن يقال في رجل قضى عمره في مواجهة النبيّ صلىاللهعليهوآله والتصدي له في كلّ صغيرة وكبيرة ، كأنّما يريد إسقاط مكانته ، والتقليل من قيمته ، ولا شكّ أنّ صلح الحديبيّة شاهد على ما اقترفه الرجل بحقّ النبيّ صلىاللهعليهوآله (١) ، كأنّما هو الوحيد الذي يدرك الحقائق.
وفهمت أنّ الطعن لم يكن بالأساس موجّهاً إلى أسامة ، بقدر ما كان موجّهاً إلى البعث من أساسه ، فالوقت الذي أراده النبيّ صلىاللهعليهوآله للبعث ، أوحى إليهم بأنّ مقصده كان إخلاء المدينة من عناصر ظهرت عليها رغبة وأطماع في السلطة ، وبقاء تلك العناصر ، قد يسبّب مشاكل في المجتمع الإسلامي الفتي وهو في غنى عنها ، وعندما بلغهم أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله يموت ، تحرّك المتمرّدون على أمره وقراره ، فدخلوا المدينة لاستجلاء الأمر ، وتنفيذ ما كان متّفقاً عليه بينهم.
وقد تسبب دخولهم ذلك ، في فرض واقع على الأنصار ، أملاه خوفهم وخشيتهم من تلك التحرّكات التي كانوا ينظرون إليها بقلق كبير ، وفي مضامينها العصيان والتمرّد والتحدّي للنبوّة والنبيّ صلىاللهعليهوآله ، فكانت سقيفة بني ساعدة ملجأهم في البحث عن سبيل لدرء هذا الخطر القادم أمام أعينهم.
كلّ ذلك ما كان له أنْ يوجد لولا انقلاب بعض الصحابة ممّن تحيّن فرصة انشغال أهل بيت النبيّ صلىاللهعليهوآله ، لينقض على الحكم.
وفوق ذلك فإنّني لا أرى موجباً يسمح بإهمال مسألة نظام الحكم في الإسلام بعد النبيّ صلىاللهعليهوآله ، ولا مدعاة إلى تركه لأناس مازالوا حديثي عهد بالدين ، لم يفهموا منه أبسط أحكامه ، فضلاً عن استيعاب مبدأ الشورى ، ومعرفة نمط الحكومة.
وقد ورد في القرآن الكريم عدد كبير من الآيات التي ضمّنت من بين مفرداتها
_________________
(١) تقدّمت الإشارة إلى ذلك في حلقة سابقة.