مصطلح الحكم وأولي الأمر ، وجاء تعدّدها تأكيداً على أهميّتها ، وضرورتها ، في مجتمع ناشىء في بداية بناء مؤسساته ، ولا شكّ في أنْ النبيّ الأكرم صلىاللهعليهوآله قد أوضح مفهوم الحكم والحكومة في الإسلام امتثالا لأمر الله تعالى ، في بيان دينه وشريعته ، وإبلاغها للناس ، وتفسيراً لمقاصد الآيات التي جاءت متضمنة لمصطلح الحكم ، وولاية الأمر ، فتركُ أمر مهمّ وخطير كالحكومة ، وتجاهل مسألة ولاية الأمر في منصب حسّاس ، تنطلق به مرحلة ما بعد النبوة ، إهمال لا يمكننا أن نتصوّر وقوعه من النبيّ صلىاللهعليهوآله ، ولا من الله تعالى مشرّع تلك الوظيفة ، ومضمّنها في كتابه العزيز.
إنّ ما حدث في سقيفة بني ساعدة ، لا يمكن وضعه في إطار عملية الشورى التي يدّعيها الفريق القائل بأنّ نظام الحكم في الإسلام يستند على أساسها ، حيث إنّ المكان لا يمكنه أنْ يسع غير عدد قليل من المسلمين ، والزمان لا يحتمل غير انتظار توديع ومواراة النبيّ صلىاللهعليهوآله التراب ، ثمّ الحضور إلى المسجد ، ذلك المكان الطبيعيّ الذي ربّى فيه النبيّ صلىاللهعليهوآله الناس على حزم أمورهم وإبرامها فيه ، وقد أسرف من قال بصحّة ما وقع في تلك الفترة الوجيزة من الزمن ، والتي كان لها الأثر السلبيّ على مفهوم الحاكميّة الصحيح ، فلا القدامى منهم كالأشعريّ ولا المتأخرين كأبي الأعلى المودودي في كتابه الخلافة والملك ، قد رجّحوا فكرتهم بخصوص نظرية الحكم في الإسلام ، وجميعهم في ذلك مبرّرون ومثبتون لجملة كلّ تلك التجاوزات التي حصلت ، ومؤسّسون على منوالها نظرية متهافتة ، وبعيدة عن المنطق القرآني للحكومة الإسلاميّة.
كانت تبريرات الأستاذ مهمّة بالنسبة لي
، ورأيت فيها دافعاً نحو مزيد من البحث عن حقيقة نظام الحكم في الإسلام بعد النبي صلىاللهعليهوآله
، عدت إلى قراءة تلك الحقبة من الزمن في تاريخ الطبري ، الذي يعتبر من أقدم مصادرها في كتب