تعالى أيضاً : ( وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ) (١).
فلم يرد بها المولى سبحانه وتعالى ، غير تربية النبيّ صلىاللهعليهوآله لصحابته ، على مبدأ الشورى فيما يتعلق بالمسائل الحياتيّة التي تعترضهم ، فلا ينصرف معنى الشورى والتشاور ، إلى ما يتعلق بأحكام الدين وتفاصيل الشريعة ; لذلك فان مقصد الآيتين في هذا الإطار ، ليس احتياج النبيّ صلىاللهعليهوآله إلى أخذ آراء المحيطين به ، بقدر ما كان يراد به تربية الصحابة ومن سيأتي بعدهم على العمل بذلك المبدأ ، لأنّ علاقة رسول الله صلىاللهعليهوآله بالوحي ، لا تترك له مجالاً حتى يحتاج إلى أحد يعطيه رأيه في مسألة من المسائل العرضية.
أمّا ما حيك من روايات تُخطّىء النبيّ صلىاللهعليهوآله ، وترجّح آراء بعض أصحابه عليه ، كرواية أسرى بدر (٢) ، فمردود من ناحية كون النبيّ صلىاللهعليهوآله معصوماً عن الخطأ ، ويجب أن يكون دوره دائماً ، هو المصحّح وليس العكس ، مضافاً لصريح القرآن الدال على وجوب طاعة النبي مطلقاً.
بعد هذه الحقائق المتتابعة ، هل يصحّ لنا أنْ نقول بأنّ ما أقدم على فعله هؤلاء الصحابة ، يعتبر شورى مستقاة من الدين الحنيف ، وليست ستاراً وهمياً أريد به الاستيلاء على السلطة ؟
_________________
(١) الشورى : ٣٨.
(٢) وحاصل الرواية أنّ النبي صلىاللهعليهوآله استشار أبو بكر وعمر في شأن أسارى بدر ، فقال أبو بكر : « يا نبيّ الله ، هم بنو العمّ والعشيرة. أرى أنْ تأخذ منهم فدية فتكون لنا قوّة على الكافر ، فعسى الله أنْ يهديهم للإسلام » أمّا عمر فرفض ذلك وقال : « ما أرى الذي رأى أبو بكر ، ولكنّي أرى أنْ تمكّنا فنضرب أعناقهم ... » فهوى رسول الله صلىاللهعليهوآله ما قال أبو بكر ولم يهو ما قال عمر ، لكنّ الله سبحانه وتعالى خالف الرسول صلىاللهعليهوآله ووافق عمر فنزلت الآية : « ما كان لنبيّ أنْ يكون له أسرى حتّى يثخن في الارض .. » [ الأنفال : ٦٧ ] وانظر ما تقدّم في صحيح مسلم ٥ : ١٥٧ ، مسند أحمد ١ : ٣١ ، سنن الترمذي ٤ : ٣٣٦ ، وقد رواه مختصراً ، وانظر عمدة القاري ٤ : ١٤٤ حيث أشار الى القصّة باعتبارها من موافقات عمر.