الفرية خطبة بليغة أفحمت فيها الظالمين ، وقصفت بهتانهم من الأساس ، مستدلّة في بيان أحقيتها وصحّة دعواها بما أخرس نعيق الباطل ، فقالت في آخر كلامها : « ... وأنتم الآن تزعمون أن لا إرث لنا ، أفحكم الجاهلية تبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون ». أفلا تعلمون ، بلى قد تجلّى لكم كالشمس الضاحية ، أني ابنته ، أيها المسلمون أأغلب على إرثي ؟
يا ابن أبي قحافة ، أفي كتاب الله أن ترث أباك ولا أرث أبي ؟ لقد جئت شيئا فريّاً ، أفعلى عمد تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم إذ يقول : ( وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ ) (١) وقال فيما اقتصّ من خبر يحى بن زكريا عليهالسلام إذ قال : ( فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ) (٢). وقال : ( وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ ) (٣). وقال : ( يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ ) (٤). وقال : ( إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ) (٥). وزعمتم أنْ لا حظوة لي ولا إرث من أبي ولا رحم بيننا ، أفخصّكم الله بآية أخرج أبي صلىاللهعليهوآله منها ، أم هل تقولون : أهل ملتين لا يتوارثان ؟ أو لست أنا وأبي من أهل ملّة واحدة ؟ أم أنتم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من أبي وابن عمّي ، فدونكها مخطومة مرحولة تلقاك يوم حشرك ، فنعمَ الحكم الله ، والزعيم محمّد صلىاللهعليهوآله ، والموعد القيامة ، وعند الساعة يخسر المبطلون ، ولا ينفعكم إذ تندمون ، ولكل نبأ مستقر فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم (٦).
_________________
(١) النمل : ١٦.
(٢) مريم : ٥ ـ ٦.
(٣) الأنفال : ٧٥.
(٤) النساء : ١١.
(٥) البقرة : ١٨٠.
(٦) الاحتجاج ١ : ١٣٨ ـ ١٣٩.