بالقبائل وأكثروا حتى اجتمعوا قدر ثلاثين الفا ، وقصدوا هؤلاء ثلاثمائة في قريتهم فألجاؤهم إلى بيوتها وقطعوا عنها المياه الجاريه التي كانت تدخل إلى قراهم ، ومنعوا عنهم الطعام ، واستأمن اليهود إليهم فلم يؤمنوهم ، وقالوا لا إلا أن نقتلكم ونسبيكم وننهبكم.
فقالت اليهود بعضها لبعض : كيف نصنع؟ فقال لهم أمثلهم وذوا الرأي منهم : أما أمر موسى عليهمالسلام اسلافكم ومن بعدهم بالاستنصار بمحمد وآله؟ أما أمركم بالابتهال إلى الله عزوجل عند الشدائد بهم؟ قالوا : بلى ، قالوا : فافعلوا ، فقالوا : اللهم بجاه محمد وآله الطيبين لما سقيتنافقد قطعت عنا الظلمة المياه حتى ضعف شبابنا ، وتماوت ولداننا ، واشرفنا على الهلكة ، فبعث الله تعالى وابلا هطلا حتى ملاء حياضهم وآبارهم وأنهارهم وأوعيتهم وظروفهم فقالوا : هذه إحدى الحسنيين.
ثم اشرفوا من سطوحهم والعساكر المحيطة بهم ، فإذا المطر قد أذاهم غاية الاذى وافسد أمتعتهم وأسلحتهم وأموالهم ، فانصرف عنهم لذلك بعضهم ، وذلك أن المطر أتاهم في غير أوانه في حمارة القيظ حين لا يكون مطر ، فقال الباقون من العساكر : هبكم سقيتم فمن أين تأكلون؟ ولئن انصرف عنا هؤلاء فلسنا ننصرف حتى نقهركم على انفسكم وعيالاتكم وأهاليكم وأموالكم ، ونشفى غيظنا منكم فقالت اليهود : إن الذي سقانا بدعائنا بمحمد وآله قادر على أن يطعمنا وإن الذي صرف عنا من صرفه قادر أن يصرف الباقين.
ثم دعوا الله بمحمد وآله أن يطعمهم فجائت قافلة عظيمة من قوافل الطعام قدر ألفي جمل وبغل وحمار موقرة حنطة ودقيقا ، وهم لا يشعرون بالعساكر فانتهوا إليهم وهم نيام ، ولم يشعروا بهم ، لان الله تعالى ثقل نومهم حتى دخلوا القرية ولم يمنعوهم وطرحوا أمتعتهم وباعوها منهم ، فانصرفوا وبعدوا وتركوا العساكر نائمة ليس في أهلها عين تطرف ، فلما بعدوا وانتبهوا ، ونابذوا اليهود الحرب وجعل يقول بعضهم لبعض الوحا الوحا ، فان هؤلاء اشتد بهم الجوع ، وسيذلون لنا قالت لهم اليهود : هيهات بل أطعمنا ربنا وكنتم نياما : جائنا من الطعام كذا وكذا ، ولو اردنا أن نقتلكم في حال نومكم لتهيأ لنا ولكنا كرهنا البغي عليكم ، فانصرفوا عنا وإلا دعونا