حتّى أشعر بأنّ نبضاً جديداً قد صار يدفق إلى مسامعي ، كيما ينسخ ويصحح ويرقى بي بالتالي صوب أعلى قنة ، لأصير بعدها أتطلع ومن علو دون الحاجة إلى أن أدفع بعنقي هذا إلى أعلى ، علّه يشرئب بي فاصير أشرف على فوهات تلك الأحلام الجديدة والأهداف القصية. ولذلك ، فما كان مني إلاّ أن أعيد جردي لكُلّ حساباتي السابقة ، وأوراقي التي مضى عليها زمان ليس بالبعيد ، فأنا الذي كنت وما زلت أشتغل في كتابة القصة ، وأنهمك في مجلاتها وخصائصها حتّى صرت أعاقرها كما يعاقر مدمن المشروبات الخمرة حتّى صار مدلهاً ببنت العناقيد!
أصبحت أتخلى عن كُلّ اهتماماتي ، وأطوي كشحاً عن كُلّ اتجاه ، ريثما أعثر على طريدتي ، وأضع اليد على ضالتي التي أطاردها ، أو بالأحرى ، فإنّي كنت أحس أنّها قريبة مني جداً وإلى حد يصعب معه أن أبصرها أو أقنصها بحدقتي الثنتين. فلئن جعل الربّ ينسخ دينه وبعضاً من شريعته ، وحسبما يقتضيه لسان حكمته ، وثوب الصلاح الذي يراه لعباده ، فإنّي شعرت بأنّ الأجواء حولي تثير زوبعة من الزوابع تثبت أن البشر قد غدوا ينشطون وبانفسهم من أجل نسخ شرائعه ، ومن دون الرجوع في ذلك إلى اللّه نفسه ، واستحصال الإذن منه بذلك ، ومن دون أن يختارهم هو لهذا الأمر ، أو يأمرهم به ويندبهم لأجله! والأشد والأقسى من هذا كُلّه ، هو أنّ الربوة التي تسنم قنّتها هؤلاء الأشاوس من الذين أذهلتهم إمكاناتهم الدنيوية واستعداداتهم المادية ، قد ظنوا أنّ بوسعهم أنْ يكايدوا على الدين ، وبلون عصري منمق ، ومن دون إشعار يمكن أن يثير الأُخرى ، ويستوفزهم بشيء من أطراف هذه المناكدة حتّى إذا ما برق البصر ، وذهلت كُلّ مرضعة عمّا أرضعت ، كان للوافدين عندها