ناجع ، يمكن له أن يشفي قروحي ، ويرقأ جروحي التي ظل الزمان يتعاهد نكئ جروحها كُلّما غارت في عمر الأيام وخلتها قد اندملت؟ أم أنّ حضوره في نفس المكان ، كُلّ هذه الأوقات ، كان يعد بلسماً ينسيني أسقام غربتي هذه التي ما زلت أعيشها وعلى مضض ، لا أنهض بأعبائه إلاّ كما أنهض بلون من ألوان العناء ، كان قد أبهضني تحمل طول رسوخه وعدم زواله .. ، بل إنّ الانتماء إليه كان قد شدد بضرباته إليّ حتّى أورثني الكثير من الندم وألحق بي ومضات الحزن الواحدة تلو الأُخرى ، وكأ نّي قد صحوت فجأة على حقيقة مفادها فهل يمكن لقاسم أن يؤثر على طبيعة الاتجاه الذي أتحرك في خلاله ، أم هل له أن يطغى بأفعاله أو سلوكياته على كُلّ تصرفاتي ليصل الحد إلى أنّي لم أتشيع أو أستبصر ، ذلك أن قاسماً لم يفعل .. إن مثل ذلك ما كان ليمثل بالنسبة لي إلاّ كُلّ هراء وتهريج ليس أكثر. فكان قاسم يعبر عن عزائي في غربتي ، وسلواي في عزلتي ، ومن بإمكانه أن يسري عني آيات الحزن ، وذلك عندما كنت قد نأيت عن مسقط رأسي ، وحلاوة تغذي أعصار أيامي التي نزحت عن موطن آبائي .. ولكن ، ما جعل يعتصرني أكثر فأكثر ، هو أنّه كيف بدت منه الجرأة ، كُلّ هذه الجرأة وأعلن عن استبصاره ، وصرح بتشيعه؟ إلاّ إنّي عللت النفس بأنّ قاسماً هو إنسان سرعان ما يؤخذ بالمظاهر حتّى إذا ما استحل غياض مرتع ما ، من بعد أن وجده خصباً ، وذلك حينما لا يكون ثمّة من مروج غناء تفوق في الحسن فيكْلف بها ويشغف .. حتّى إذا ما وجد الآخر عدل عن رأيه في الأوّل ، وانتقل إلى الثاني. فهل أقصد من ذلك أنّه يمكن أن يعود يوماً ما إلى مذهبه السنّي أم أنّه ينتقل ربّما وفي ذات ليلة إلى حضن مذهب مسيحي ، يصير يرعاه ويغذوه بفنون الأقانيم الثلاثة حتّى تجعل منه يشهد المراسيم