وأبلّ ببرودتها جوفي ، إلاّ من بعد أن أدين بدينهم ، وأتنازل لهم عن كُلّ ما له أن يجرح كبريائي دون كبريائهم وصرخة أمجادهم. هكذا علمت نفسي ، كنت قد وجدتها مطواعة وطبقاً لمثل هذه النعمة الساحبة بين أعواد مشانق أعدّها الآباء والأمهات لأولادهم ، فأما أن يمجّسونهم ، أو يمسّحونهم ، أو يهوّدونهم .. غير أنّي وعندما وجدت البشارة تنقذف في أعماقي ، شعرت أن تنيناً في داخلي يغامر في الاشراف على كُلّ تاريخي ، والكشف عمّا تبقى من سلالته في أعماق دواخلي .. صرت أخاف نفسي لعلّ السعالي والغيلان تنقض علي ، فتهجم على طفولتي ، وتكتسح مساحاتها ، فتحيل أرضها الخصبة وغياضها الغناء إلى بقاع جرداء وطينة سبخة مدقعة بألوان الفقر ، مثقلة بأنواع الحُلي الغرامية. لأنّي كنت قد آنست الشجاعة في نفسي كيما لا أتوانى في الانقضاض على كُلّ تلك الوحوش الكاسرة والهياكل المفترسة التي رافقتني أشباحها طيلة أيام حياتي حتّى رعيتها وسهرت على نموها وَوَدَعْتها تكبر وبهدوء في دواخل أعماقي حتّى إذا ما تناءت في أحجامها ، وتناهت في غيها ، جعلت تعلو بجبروتها وتطغى بلسعاتها حتّى استاقتني مذعناً ، واقتادتني صاغراً دون أن أمنح لنفسي الحق في أيّما تعبير له أن يثلج قريحتي ويمعن في سؤدد مجدي ، كيما يطلع عليّ بنفحات قدسية ، تلثم أوراق عطاءاتي النافذة في أقاصي آفاق المستقبل ، ومن قبل أن تتفتح براعمها عن شمس تشرق أبداً ، وتطلع قبل أن يرتفع النهار ، ويبزغ أمل يوم جديد. فما كان منها إلاّ أن أنشأت تلهب ظهري بأسواط القهر والذعر دون الاعتماد على النفس ، تخوّفني دائماً من مغبة اغتنام نُور وافر منه وافتراص ألوان الخلسة ، كيما أبيح لوجدي ما يمكن أن يعبر عن نوع اقتنائي للأفكار أو اختياري لضروب النوازع. بل إنّ