الطريق كان قد غدا لمن أنشأني وسهر على تربيتي واضحاً لاحباً. فليس ثمة من خير في انتهاج أيّما طريق فرعية داخل هذه السبيل العامة إنّما أن يحيد المرء عن اقتفاء آثار مثل هذه الجادة وتنكبه الطريق ليعسف عن حيادها ويميل إلى عذارها. فما كان له إلاّ أن يستل وبفعلته تلك نصلاً يحاول ومن خلاله أن يغمده في جرح إبائه حتّى يصير ينكأه .. وهو الذي يراه ، ولما يندمل بعد وإلى الآن.
عانقت وجه الحرية ، تنشقت انسام البهجة ، تلفعت بلفحة أثلجت كبريائي ، كان كُلّ ذلك حينما ابتدرتني أنفاس رحيبة ، شعرت بها تلقي من عليها كُلّ ملاءات العجز وشراشف الكهولة الغائرة في عمق كآبة الزمان وعنق سامة النهار .. لأني بدأت أشعر بأن عليَّ أن أغتنم كُلّ فرصة ، لأجل أن أبحر مسافراً في ظلال أدواح هذه المراتع والهضاب. اجتاز بكُلّ الأودية والمفترقات ، لا أنقلب بعدها ، إلاّ حينما أعثر على نفسي التي أضعتها. وكم هي الحقيقة مرّة جداً ، وللغاية حينما يطالني عقلي وتنبغ بين أوصاله نجمة نابتة ، تخبرني أن ما أضعته ، لم تضعه خارج حدود منزلك ، لأنك كنت قد ألقيته بين جنبات زواياه حتّى انصرفت عن التفكير به. وذلك لأنك صرت لا تفكر أبداً بكُلّ ما للعقل أن يسلّم له ، ويصادر الفكر على بدهيته المشرفة دون نيل الأذي ، أو انفاق الجهر الذي ليس تحته أيّما طائل سوى إرهاق عود الذهن الغضّ ..
إذن ، ما كنت أبحث عنه ، فكان يقبع في داخلي ، فقبل أن أبحث عن الحقيقة ، كان عليّ أن أسأل نفسي .. فهل أنا أستأهل كُلّ هذا الاعتزاز من ربِّ العالمين إن مكّنني في هذه البرهة وجعلني أهلاً لهذه الرفعة ، في أن أقرّر ما