الفصل السابع عشر
الحنين ما بين فراق الأحبة وغربة الإمامة
كانت رسائل الأهل تصلني بين الحين والآخر ، بينما عزّ علي أن لا يكون بمستطاعي أن أبوح لهم بما نبغ في صدري ، وعلق في دخائلي ، لأ نّي ما كنت أهوى أن أثقل عليهم ، واجعلهم يقاسون أشد مما يقاسونه من فراقي عنهم ، وبعدي ، وأنا الذي لم يعد بمستطاعه نسيانهم .. فما كان بميسورى أن أسلاهم حتّى وجدت في هذا الموضوع ما يسلّيني ويُسرِّي عن همومي وأتراحي التي كان لها ان تلتمع بين الحين والآخر حتّى أنّ لها أن تخبو دون أن يخمد عنوانها .. وذلك لأ نّي وجدت أنّه من غير العسير على المرء ان يحمل جلّ وقته على الإنفاق فيها ، لو أراد أن يدفع عنهم تباريح أيامه الحزينة ، وصروف دهره الكئيبة حتّى قيض لي اللّه فحوى الأمر بعدوى الاهتمام بمثل هذه الأبحاث ، وجعلت أصوغ مفردات العقل ، وأفنّد الآن الفكر كيما استاق وحي شآبيب الطلعات ، وأرخي بها صوب سماويات الذهن حتّى تئن وتضطرب عند اختلاج غمامها الأجدب ، وقزعاتها المتخاتلة ، وهي تصوب بأفانين رقصاتها إلى أفنان تلك الأعناق الفضية التي غذت عمرها من ريع الأيام الآتية حينما جلت عنها غبرة الليالي الحالكات ، وهي تتحسس أريج إزهار ذلك الأُفق الفضية وترقب ألوانه المتماوجة ما بين أنواء المجد الملكوتي .. وكيف لها أن تتفتق عنها صبابة حالمة ، كأنّها ضروب من فحوى النسك ومعنى