فيها عن ملامة سيب الاماق المنحدر عبر عذارف تلك القسمات ، وصدُغ تلك المعاني الكالحة ، وهي تستبيح عرضات الليالي الذائبة أمواجها ما بين عيون المدينة ، وأضوائها المتلاشية خلف ركام من الرماد الضبابي الذي ما كان يلفه سوى عرس أخفى ثيابه هو الآخر وراء زرقة جعلت تتنفس الصعداء كُلّما جعل الفجر يلفح عذارى المصر بخيوطه العالقية بألوان الضياءات التي بدت ترسمها منارات الموانئ ، وهي تودع السفن الراحلة كما صرت أودع أفكاري إلى حيثما اُودعها ملجأ تؤوب إليه كُلّ حرائر الأزمان ، وبكل ما تئن تحت طائله وترزح تحت ثقله مما جعلت ترسف في أغلاله ، وترفل بين معطياته الحية القادمية .. كذلك أنا الآخر فعلت ، حاولت أن أحيي وطناً آخر في نفسي ، حاولت أن أُميت كُلّ عصبية جائرة ، فلكُلّ الخلق نفَسٌ عظيم في انتقاء الزوجات والأزواج في انتقاء فرص العمل ، في اختيار نوع الاختصاص الدراسي ، في استراق أحسن الخلس وافتراصها ، حتّى الفنان له أن يختار ما يرسم ، وما يريد أن تعكسه لوحته ، حتّى المخرج السينمائي له أن يخص نفسه بطبيعة لون خاص في التفكير والعمل غيره عن الآخرين ، والمهندس في تصميم عمارته ، والطبيب في نوع جراحته ومعالجته ، والكل تراه يعمل بملء إرادته واختياره ، والكل لا يصادر إلاّ على حرية مثل هذه الاختيارات الدنيوية.
إذن! فلماذا نحرم أنفسنا حرية الانتقادات الأُخروية ، وما كانت الدنيوية منها لتكون غير معابر باهتة تنسحب على مراقي تؤدي بالتالي إلى الثانية ليس إلاّ .. فما كانت الأُولى إلاّ وسيلة للثانية ، وما كانت الأخيرة إلاّ غاية للأُولى.