الإسلام عبر معاركه .. حتّى غرّت المؤمنين كثرتهم ، وجعلتهم يتراجعون القهقرى ، ويفرون من لقاء الأعداء ومواجهة المشركين .. وما كان أكثرهم مؤمنين ، وأن تطع أكثر مَن في الأرض يضلونك عن سبيل اللّه ، وكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة باذن اللّه .. هذا إن أبحنا لأنفسنا أن نفكر بمطلق العقل السليم وطلاقة سبيل الاعتقاد الحكيم ، ولا تنظر إلى الشيعة على أنّهم شرذمة قليلة ، فلو القى عليهم أسورة من ذهب أو جاؤوا إلينا بالملائكة ، فما كان الرسول إلاّ فرداً لم يكن لينصره ، وفي بادئ دعوته الفئة القليلة. وما كان لنا أن نستهين بعقيدة أُخر حتّى تنجلي عبرة الخوف عن الانتماء إلى عقيدتنا نفسها التي لا نحمل عنها أيّما تصور حقيقي. إذ ما كان لنا أن ننظر إليها ، ولا في يوم من الأيام بعين التمحيص ، ولا كان لنا من الوقت ـ وحسب انشغالاتنا واعتقاداتنا الدنيوية ـ الذي نضيعه في بحث صحة اعتقاداتنا ، ومراجعة كتب الصحاح ، ومجلدات التاريخ والتفسير ، وجمهرة الكتب المؤلفة والغور في أرجاء بطونها ، وسبر ملامحها الأصلية وأعماقها الغئمة حتّى كأنه حرّم على أيما أحد منا أن يدخل في غمارها ، ويدرس أحوال أوطانها ، ويقتحم أقطارها ، ويمشّط مناحيها. فلو فعل أحدنا مثل ذلك ، لتوقع أن يوصل بالعار ، ويحلق رأسه ، ويُطاف به في الأسواق ، ويعلن عنه كفرد ظل الطريق ، وأساء القصد ، وأراد الإقلاع عن دين المعبود ، وتصحيح التاريخ ، وسلب الزمان هويته ، وانتهاك حرمة الصحابة .. ومن هم الصحابة والتابعين سوى أُناس مثلنا ، فليسوا هم بالمعصومين .. كانوا قد تعرضوا إلى اختبار الإله ، وفتنة إبليس أكثر منّا ، لأ نّهم عاشروا الرسول ، ورافقوا الأصحاب ، وتابعوا المتأخرين منهم حتّى غدا أيّما خطأ أو تقصير يبدر منهم يحتمل الأكثر