والدينية دخل في ذلك .. وإلاّ لكان لجعفر الصادق أن يكون هو الآخر أولهم وليس خامسهم لأن أبا حنيفة كان تلميذه! ولم يتتلمذ جعفر على يدي أي منهم بل هم الذين تتلمذوا على يديه ، وإن لم يتتلمذ الشافعي على يديه مباشرة ، فقد تتلمذ على يدي أحد تلامذته! وإن كان الشافعي نفسه مثلاً ، قد سار على نهج من سبقه من الفقهاء ، فما كان لنا أن نعتبر له فقهاً مستقلاً ، وإن خالفهم ، فما هو وجه الخلاف؟ وإن رضينا بذلك ، نعم لا نقبل بامتداد خطوط الفقه حتّى صرنا نقف عند حدود هؤلاء الفقهاء الأربعة ، وإن تعذر على البعض اكتشاف ذلك حينما صار لا يكفّ الآخرون عن الاهتمام به ، وهم لا يفتأون يلقمون فمه الاعذار تلو الأُخرى ، وهي أنّه قد ظهر فقهاء آخرون ، ونبغ كثير غيرهم ، سواء في أزمنة هؤلاء الفقهاء الأربعة أنفسهم ، أو قبلهم أو حتّى بعدهم ، إلاّ أنّهم لم يلقوا أذناً صاغية بمثلما لقيها هؤلاء الأربعة .. وإذن ، فان السؤال سوف يتهدد أعناق هؤلاء ، فأيما أُذن صاغية لكان لهم أن يلقوها ، وهم الذين ما كانت لتختلف انتماءاتهم أو مقادير علومهم ، بل تباينت ألوان قدراتهم ، وتناؤءت لديهم بعض النظرات العلمية وتصادمت بعض آرؤاهم الفقهية مع البعض الآخر؟! لذا ، فهل كانت السلطات وراء ذلك ، وهي التي ما كانت لتترجم سوى معاني الحنق العباسي ، ومقادير الحذقة والدهاء اللذين كان ينغمس في اطارهما البلاط العباسي نفسه ، ذلك أنّه وجد نفسه في صراع عظيم مع فقه الشيعة حتّى جعل يكيل له الضربات تلو الأُخرى ، حيث صرت إلى مطالعة ما وجدته ثابتاً في المصادر المعتبرة والموثقة لديّ كذلك.