قاع الذاكرة بين أيام كان لها أن تسجلها ساعاتها المكتنزة بضروب التنازعات الفكرية وصنوف الوئام البشري الذي ما كنت أرى أنبل منه نبلاً .. وهو أن تقعد إلى منضدة بحث مع من يخالفك العقيدة .. ولا ينفض كُلّ منّا عن مجلس صاحبه ، إلاّ وهو حافل بالجذل والحبور ، تكلله الغبطة مما رأى من خلق رفيقه وطيبة صاحبه .. حتّى ولو كان لهما أن ينفضا ويفترقا على خلاف عقائدي ، وكُلّ منهم قد التزم الالتصاق أكثر باعتقاده أو الاندكاك أكثر بما كان قد انتمى إليه من فكر ومبدأ! إنّه لشيء يدعو إلى السرور حقاً .. ذلك الذي نسميه نبذ الأحقاد ولفظ الضغائن والتوجه بقلب سليم إلى ربِّ واحد .. وكيف لا يكون الحال كذلك ، من بعد وحدة الإيمان برسول واحد والنزول عند كلمته الحقة ، كما نزلنا عند كلمة اللّه الحقة ، إلاّ وهو خاتم أنبيائه : محمّد بن عبد اللّه!.
ـ « وخلاصة الأمر ».
قالها سلمان فائق ، وتابع حديثه مستدركاً ، وهو يقول :
ـ « لقد ظهر لنا أن العامل الأساسي لتكوين الالتزام بمذهب معين ، والترخص في استنباط الأحكام الشرعية إنّما هو السلطة ، وأن بقاء هذه المذاهب إنّما يكون بتلك الوسائل المشجعة ، حتّى كثر أنصارها ».
ـ « وإذن ، فأنت تقول إنّه لو قدرت عوامل الانتشار لغيرها من المذاهب مثل مذهب سفيان الثوري وغيره ، لكانت مقبولة عند من ينكرها ».
ـ « بالتأكيد ، ولكنها عدمت رعاية السلطة ، فمحيت من الوجود إذ لا قابلية لها في ذاتها على البقاءبقوتها الذاتية ».
ـ « هل يمكنك أن تضرب على ما تقول بعض الأمثلة؟ ».