بوجوههم دون الانتظار لأمر الجهاد أو فتوى الدفاع ، لأن الظلم قد وقع عليه ، والاجحاف قد تمكن منه. ولقد ( أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ .. ) لأ نّهم شهدوا على واقع الحال أكثر من غيرهم ، وقاسوا من ضروب المحن أكثر من غيرهم ، عرفوا منهج الحق أكثر من غيرهم .. أو وقعوا تحت ضغط وقائع غالباً ما كان لها أن تبعث بأحدهم إلى التفكير بضرورة اللجوء دوماً إلى الحق ، وإلاّ ما كان لهم أن يصيروا من ضمن أولئك الذين كانوا في البحر حتّى إذا ما دعوا اللّه مخلصين ، فأنجاهم إلى البر ، إذا هم معرضون من جديد .. فكانت مثل هذه الشهادة خليق بها أن توقع في قلبي آيات الخوف والهول حتّى جاء اليوم الذي كنت قد تعرفت فيه إلى طلال عبد الواحد. كان هذا الأخير شاباً متفتحاً ، ذا هيبة ووقار ، يملؤه الاعتزاز بما يعتقد ، بل إنّ من مثله كان ليكون أقرب إلى الآخرين من نفسه ، لأنّي شعرت به كان يحاول أن يقرّب مثل هذه المسائل إلى أذهان العموم .. وليس هو من أولئك المتحجّرين الذين لهم أن يُملوا أفكارهم على الآخرين عنوة ، ويغرونهم بكُلّ وسيلة واُخرى ، كيما يتلقوها عن إذن وهم صاغرون .. وبالرغم من كُلّ تطلعاتهم الخاصة ونواياهم الشخصية ..
جلسنا إلى المائدة سوياً .. تناولنا طعام الغداء ، تكلمنا حول أشياء مختلفة ، شغلتنا أُمور عديدة ، كان منها ملذاً للسامع وكان غيرها مثيراً للضجر .. هكذا أحسست ، وإذا بي أنا نفسي أقود به إلى ما كان يريد أن يستمعه منّي. ففجأته وراح يتفرس في تقاسيم وجهي ، وكأ نّه يحاول أن يكتشف أيّما رجل أنا؟ أنا الذي أحاول تلقاء نفسي أن أبحر في مثل هذا البحر ، بينما كان غيري ربما فرّ من المجازفة أو المغامرة في الخوض عبر عباب مثل تلك