بعض معاناته ، حتّى أردت أن أجنح به عن جادة مثل هذه الأحزان كيما انتزعه من تحت طائلة الهموم والآلام .. فقلت له :
ـ « نسيت أن أسألك ، إنّي قد طالعت ، ولكن لم أقرأ بمقدار ما قرأته أنت نفسك .. فأخبرني حقاً ، وأصدقني القول .. فإنّي قد سمعت قبل فترة من أحدهم أن التنازع الذي كان قد حصل بين أتباع المذاهب الأربعة أنفسهم هو أشدّ من النزاع الفكري القائم بين الشيعة والسنّة ».
فقال لي :
ـ « ليس علينا أن نوسع من هوة الصراع ، أو نقوي من أطرافه ، للعمل وبالتالي على تضخيم شق النزاع .. إن الأمر كُلّه يخضع إلى تعصبات لا حساب لها ، لأ نّه لا طائل تحتها. وإنّما كان يمكن أن يتمّ التفاهم في ظل أيّما صيغة عقلية ومنطقية يرتضيها أصحاب الحل والعقد ، وأولي الأفهام والمدارك ، فضلاً عن التوصل إلى حلول يصادق عليها الصلحاء من أُولي الحجى ».
ـ « أخبرني ، أين يكمن صلب النزاع العقائدي؟ وما هو سرّ النزاع بين مقلّدي المذاهب الأربعة. فإنّي ما كنت أتصور أنّ مثل ذلك له أن يحصل؟ ».
ـ « إنّ ما سأقصه عليك يحمل عين الحقيقة التي لها أن تدمي القلوب ، وتنسج ستائر المأساة في قلوب كُلّ مسلم ومسلمة .. لقد كان النزاع بين طوائف المسلمين ، نزاعاً علمياً ، واختلافاً لا يتعدى حدود القول في النقض لبعض ما ينهجه الآخر ، وسارت الأُمور على هذا المنوال. ولكن حركة الانشقاق كانت قد بدأت تتسع ، وروح الاختلاف قد صارت تسري في المجتمع وبسرعة ، وذلك لقوة الدافع السياسي الذي كان يحاول أن لا تتفق الأُمّة على رأي واحد ، والذي كان في نفس الوقت يعمل على إحياء العصبية ، إذ لا حياة للنظام الملكي إلاّ بها ».