المجتهد! وهذا الاستعداد يحصل تارة باستفراغ الجهد في جميع الروايات ، فإنّه ورد كثير من الأحكام في الأحاديث ، وكثير منها في آثار الصحابة والتابعين ».
ـ « ثُمّ من بعد ذلك! ما الذي حصل ، أخبرني؟ ».
ـ « ثُمّ بعد هذه القرون ، كان ناس آخرون ، ذهبوا يميناً وشمالاً ، وحدث فيهم أُمور منها : الجدل والخلاف في علم الفقه وتفصيله ».
ـ « نسيت أن أسألك ، فمن بعد انتهاء عهد الخلفاء الراشدين ، ماذا كان الحال؟ ».
ـ « إنّه لما مضى عهد الخلفاء الراشدين ، كانت الخلافة قد أفضت إلى قوم تولوها بغير استحقاق ، ولا استقلال بعلم الفتاوى والأحكام ، فاضطروا إلى الاستعانة بالفقهاء ، وإلى استصحابهم في جميع أحوالهم. وكان بقي من العلماء من الطراز الأول ، فكانوا إذا طلبوا هربوا وأعرضوا! فرأى أهل تلك الاعصار ( من غير العلماء ) إقبال الأئمة عليهم مع إعراضهم ، فاشتروا طلب العلم توصلاً إلى نيل العز ».
فقلت عندئذ :
ـ « فترك الناس الكلام وفنون العلم ، وأقبلوا على المسائل الخلافية بين الشافعي وأبي حنيفة على الخصوص! ».
ـ « أجل! ولسنا ندري ما الذي قدّره اللّه تعالى فيما بعده من الأعصار؟ ».
ـ « هل لك أن تتحفني بمقالات من أهل ذلك الزمان؟ ».
ـ « وكيف لا! هاك ما يقوله الخطابي في كتابه : معالم السنين ، صورة عن الخلاف الذي حصل بعد المئة الثالثة بين فقهاء المسلمين ، واتباع المذاهب ، إذ يقول : رأيت أهل زماننا قد انقسموا إلى فرقتين : أصحاب حديث وأثر ، وأهل