من المناسب في المقام أنْ نتعرضَ لذكر مناقشتين ذكرَهما أنصارُ القول بتقسيم ( البِدعة ) حول ما قررناه من النصوص الشرعية بهذا البيان ، لكي يستوفيَ المطلبُ حقَّه من البحث والتحليل.
ربما يُعترضُ على ما قررناه من بيان : بأنَّ ( البِدعة ) قد وردَت مقيَّدةً بقيد ( الضلالة ) في بعض الأحاديث ، وهذا يعني وجودَ قسمٍ آخرَ لها لا يتصفُ بالضلالة ، فقد وردَ في الحديث أنَّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قالَ لبلال بن الحارث :
|
ـ ( اعلمْ! قالَ : ـ ما أعلمُ يا رسولَ اللّهِ؟ ، قالَ صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ : ـ اعلمْ يا بلالُ! قالَ : ـ وما أعلمُ يا رسولَ اللّهِ؟ ، قالَ صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ : ـ إنَّه مَن أحيى سُنَّةً من سُنَّتي قد أُميتت بعدي ، فإنَّ له من الأجر مثلَ مَن عملَ بها ، من غير أنْ ينقصَ من أُجورهم شيئاً ، ومَن ابتدعَ بِدعةَ ضلالةٍ ، لا تُرضي اللّهَ ورسولَه ، كانَ عليهِ مثلُ آثامِ مَن عملَ بها ، لا ينقصُ ذلك من أوزارِ الناسِ شيئاً ) (١). |
فقيدُ ( الضلالة ) كما يدّعي هؤلاءِ المقسِّمون في قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : ( ومَن ابتدعَ بِدعةَ ضلالةٍ ) ، يفيدُ في مفهومه أنَّ هناكَ لوناً من البدع لا يتصفُ بالضلالة ، وإلاّ فما هي فائدةُ ذكرِ القيد في الحديث؟
__________________
(١) الدارمي ، سنن الدارمي ، ج : ٥ ، كتاب العلم ، باب : ١٦ ، ح : ٢٦٧٧ ، ص : ٤٤.